بعد أن نظمت المجموعة نفسها في أنقرة، توجهت نحو الوطن، هذا المفهوم تشكل في نهايات عام 1975، أي خطونا الخطوة الأولى...

الحلقة الرابعة من محاضرة للرفيق جمعة "جميل بايق" حول تاريخ الحزب ألقاه في إحدى مدارس الحزب للكوادر

حزب العمال الكردستاني PKK عند ظهوره جعل الحياة وكسب الحياة وإبراز جوهرها ووضع مقاييسها وجعل التقدم بنمط الحياة أساساً له، وبذلك جعل نفسه مصدراً للحياة. ولو اتخذ نهجاً معيناً وخطاً مرسوماً وطرازاً وذهنية محددة لدى ظهوره ومسيرته لأصبح كالتكتلات الأخرى التي تأسست في تلك المرحلة ولأصبح مصيره مثل مصيرهم. كل التنظيمات القائمة في ذلك الوقت كانت تنظم نفسها بالصحف والجمعيات، بينما القائد لم ينظم هذه الحركة بالصحف والجمعيات عن علم وإدراك. ولهذا لاقت الحركة صعوبة في تقدمها، لم تكن هناك صحيفة ولا جمعية ورغم ذلك أينما حل الكوادر كانوا يتحدثون نفس الكلام والطرح، والكل كان يرى ذلك غريباً ويقولون : ليست لهم صحافة ولا جمعية، كيف يكون كلامهم وأطروحاتهم واحدة، وكيف تكون لغتهم واحدة ؟. التنظيمات الأخرى ورغم وجود الصحف والجمعيات لم تستطع تحقيق هذا الأمر، ولكن حركتنا استطاعت. طبعاً كان ذلك مهماً لأنه تحقق بالتدريب على إيديولوجية وإستراتيجية الحركة بشكل مكثف، ولهذا كانت اللغة واحدة. وبذلك تحققت وحدة قوية بين كوادر الحركة، وهذا أدى إلى قوة ووحدة التنظيم، وكان ذلك يترك أثراً بالغاً في كل مكان يذهب إليه الكادر، وتتحقق الثقة الراسخة. أما الآن ورغم توفر كل الوسائل والميراث والخبرة والإمكانيات، نرى أن كل كادر من كوادرنا يعزف على وتر مختلف، ولا يمكنك القول بأن هذا هو كادر هذه الحركة، وتعتقد أن هؤلاء اجتمعوا على بعضهم البعض من تنظيمات مختلفة، هكذا اللغة والأسلوب والطراز والحياة، وكل واحد يحيا على هواه، وهذا نابع من كون كل منا يتكيف مع نفسه بدلاً من التكيف مع الحركة، وهذا لا يحقق الثقة والنجاح، فإذا وجدت كوادر أي حركة منسجمين في الأسلوب والطرح وطراز العمل والحياة والمقاييس، عندها يؤثرون عليك وتتوفر لديك الثقة والإيمان بهم، ونظراً لأن ذلك كان متوفراً لدى الكوادر، لذا تعززت الثقة بالحركة. بالطبع أختار القائد هذا السبيل الصعب عن إدراك ومعرفة، لأنه كان يمتلك خبرة كبيرة بالتاريخ، وكان قد بحث في تاريخ الحركات الكردية والثورية بشكل جيد، وبحث مطولاً في أسباب الوهن الذي أصاب التنظيمات وفشلها في تحقيق ما تسعى إليه، ووجد أن النهج الذي يلتزمون به يسيطر عليه النظام الحاكم، فالدولة التركية كانت تملك خبرة كبيرة في هذا المجال، لدرجة أن كنعان أفرين الذي قاد الإنقلاب العسكري في 12 أيلول كان يقول لأمريكا : يمكنكم الاستفادة من خبرتنا، وهذا صحيح فالدولة التركية تجربتها قوية في هذا المجال، أي التسرب إلى داخل التنظيمات والاستيلاء عليها من الداخل وتوجيهها حسبما تريد أو تقسيمها وتفتيتها أو تصفية الكوادر المتقدمة بشكل من الأشكال، فقد استطاع القائد تشخيص هذا الواقع ولذلك فضل السبيل الصعب، حتى لا يدخل التنظيم تحت سيطرة النظام منذ البداية. وكان هذا طرازاً جديداً من النضال في تركيا، تبناه القائد و PKK في النضال، ولهذا كانت ألاعيب النظام تسري في كل التنظيمات، دون هذه الحركة. وقد أراد النظام كثيراً أن يمارس ذلك الأسلوب على الحركة ولكنه لم يفلح، فبذلك الطراز حال القائد دون تحقيق النظام لمآربه. 

والآن أريد التوقف على الحملة الأولى نحو التحزب، هذه الحملة تبدأ من عام 1973، حتى الإعلان عن حملة 15 آب، هذه المرحلة هي مرحلة التحزب ومن ضمنها الحملة الأولى لمعايشة الحزب، البداية كانت في عام 1973 في انقرا عند سد "جوبوك"، وبدأ باجتماع ستة أشخاص من بينهم القائد، وهؤلاء من كلية العلوم السياسية الذين استطاع القائد تعزيز أواصر الرفاقية معهم بعض الشيء، وهي ليست رفاقية متجذرة على أسس أيديولوجية، تغلب عليها الزمالة الجامعية، وهؤلاء يتبنون الاشتراكية والأفكار اليسارية، ولكنهم ليسوا مجموعة متجانسة بعد على الصعيد الأيديولوجي أو التنظيمي، أو الفكري، ولم يجتمعوا لوضع أسس التنظيم، بل تجمعهم زمالة في الجامعة خرجوا للاحتفال بنوروز، ويجمعهم القائد ليقوم بشرح أفكاره لهم، وهنا يقول القائد " كردستان مستعمرة "، وعندما يتقدم بطرحه هذا، يكون حذراً جداً، لأنه ليس متأكداً من قبول أو رفض هذه المجموعة لهذا الطرح، ولهذا يتحدث بحذر شديد ليتعرف على ردود فعلهم. هل سيقبلون به أم لا ؟ وهل حان وقت هذا الطرح أم لا ؟، ويمكن أن يقوم أحدهم بنشر الطرح أو الوشاية فذلك احتمال وارد أيضاً، ولهذا يتحدث بمنتهى الحذر، بل لا يتحدث عن كل شيء بصراحة، وتلك كانت الخطوة الأولى في الحركة. من بين أولئك الأشخاص الستة بقي شخص واحد على قيد الحياة بيننا وهو " الرفيق فؤاد " ولم يبق أحد غيره من تلك المجموعة.

كانت تلك الخطوة الأولى نحو التحزب، وبدأت من سد " جوبوك " في أنقرا، أما الخطوات التالية فقد كانت في أعوام 1974 و1975 و1976. حتى ذلك التاريخ لا يوجد في الميدان ما يمكن تسميته بمجموعة، التجمع أو التحول إلى مجموعة بدأ في عام 1974، أي بداية تشكل مجموعة، بينما في عام 1975 و 1976 تشكلت المجموعة بشكل متكامل. وجميع الأوساط بدأت تعلم بوجود مجموعة على ذلك النحو، وباتت أفكار وطروحات تلك المجموعة معروفة لدى اليسار التركي على مستوى إداراتها وقياداتها، وبعض مؤيديهم كانوا يعرفون بوجود المجموعة وبعض طروحاتها ولكن ليس بشكل كامل، وسيدركونها فيما بعد، المجموعة تقدمت أساساً ضمن "ADYOD جمعية التعليم العالي الثورية في أنقرا"، حيث ساهمت المجموعة في تقدم وانتشار هذه الجمعية من خلال لم شمل الشبيبة الأتراك وكان ذلك مهماً بعد الانقلاب العسكري الذي حدث في عام 1971، بالإضافة إلى تعزيز علاقات وأنشطة المجموعة ذاتها وترسيخ شكلها كمجموعة متجانسة، فالقائد استطاع أن يرسخ تلك المجموعة وتأثيرها ضمن الجمعية ويجعل لها كلمتها ضمن الجمعية، بالإضافة إلى زيادة تأثير وفعالية الجمعية نفسها، فقد تبوأ القائد رئاسة تلك الجمعية. جمعية ADYOD تأسست على يد حزب العمال الاشتراكي (TSIP). وهذه الجمعية استطاعت الانتشار في جميع أوساط الشبيبة الجامعية بهدف تنظيمها، حيث كانت جمعية قانونية تابعة لحزب العمال الاشتراكي، وهذا الحزب كان قد ألقى هذه الخطوة بتأسيس الجمعية نظراً لوجود فراغ، فالشبيبة كانت قد تلقت ضربة مؤلمة على مستوى القيادات بانقلاب 1971، بعض القيادات أعدمت والبعض الآخر قتلت، والباقون في السجون، أي أن الحركة الثورية كانت مشتتة، والإرادة محطمة، تلقت الضربة وتمر في وضع فوضى التنظيم، من الجانب الآخر كان قد تم تنظيم الفاشيين في ظل الإدارة العسكرية للانقلاب، وجعلوا الفاشيين متحكمين في كل جامعة وكلية تقريباً، أي تم فرض سلطة هؤلاء بمساعدة البوليس والجيش، وساد الأجواء إرهاب الفاشيين إضافة إلى إرهاب الدولة. لهذه الأسباب مجتمعة كانت الحركة الثورية ضعيفة تعاني من التشتت والوهن. وكان TSIP قد تأسس حديثاً، بينما التنظيمات الأخرى لم تكن قد لمت شملها بعد الضربة، وأراد الحزب أن يستفيد من الفراغ القائم ويلم شمل الشبيبة في حزبه ليتمكن من السيطرة على الحركة الثورية عموماً. وهكذا أقدم على تأسيس جمعية ADYOD. 

قبل كل شيء أجرى القائد نقاشاً فيما بيننا، ثم تناقش مع بعض اليسار التركي، ونتيجة لتلك النقاشات بدأ بنشاط على الشكل التالي : هذا الظلم غير مقبول، وأن يتم تجهيز كوادر كفوءة سراً في جميع الكليات والجامعات ليعملوا ضمن ADYOD وينشطوا لتأليب الشبيبة وانتقاء الأعضاء، حتى نتمكن من عقد كونفرانس موسع للشبيبة نحن الأغلبية فيها، لنقول لإدارة الجمعية : يجب أن تكون الجمعية تنظيماً لكل الشبيبة الثورية، وانتم غير قادرون على تمثيل الشبيبة  ونطالب بتغييرها بإدارة منتخبة تمثلها. ويمكن أن يكون هناك منضمين من المجتمع، ولكن يجب أن تضم كل أعضاء التنظيم، وتتشكل إدارات موسعة تمثل كل منظمات الشبيبة، بحيث تنضم كل الشبيبة الثورية إلى الجمعية. وعلى هذا الأساس بدأ نشاط موسع، إلى أن تأكدنا من أننا قادرون على عقد كونفرانس نتحكم به ونرغم الجمعية على توجهاتنا، حيث بدأنا بالنشاط علناً، وطالبنا الجمعية بعقد اجتماع فوري، رفضوا ذلك في البداية، وعندما أصرنا رضوا بعقد اجتماع موسع يضم أعضاء من كل الجامعات والكليات، ونحن كنا مستعدين لذلك طبعاً، وارتضوا بان تتشكل إدارة موسعة. وبالنتيجة عقد اجتماع موسع ضم أعضاء من جميع المدارس، وفي التصويت الأول نجح جميع المنتسبين إلى TSIP بالكامل، لم نقبل بالنتيجة وطالبنا بالتصويت مرة أخرى، وفي هذه الأثناء أخرجنا البعض من صالون الاجتماع وجرى التصويت، واستطعنا السيطرة، وبذلك تم إخراج الجمعية ADYOD من دائرة نفوذ الحزب TSIP. وتشكلت إدارة موسعة ضمت أعضاء من كل التنظيمات تقريباً، ماعدا تنظيمين لم ينضما وهما التنظيم الذي كان يقوده دوغو بيرينجيك TEDA، وتنظيم القومويين الأكراد الذين أسسوا DDKD(جمعية الشرق الثورية الثقافية) فيما بعد. وذهب TEDA ليؤسس لنفسه جمعية مستقلة، أما الباقون فقد تمثلوا جميعاً في ADYOD. وباسم مجموعتنا أنضم إلى إدارتها القائد عبدالله أوجلان والرفيق حقي قارار. وانتخب القائد رئيساً فعلياً للجمعية، وجميع أنشطة الجمعية سارت تحت إشراف وتوجيه القائد عبدالله أوجلان، حيث استطاعت الجمعية أن تتحول إلى تنظيم كبير جداً في وقت قصير، حيث توسع تنظيمه إلى جميع الجامعات والكليات، بل وبعض الثانويات أيضاً، واستطاع كسر شوكة الفاشيين في كثير من الأماكن، لأنه اعتمد أسلوب الممارسة الجماهيرية. فمثلاً عند توزيع بيان كان يجتمع خمسة آلاف شخص، أي نوزع البيانات بخمسة آلاف شخص، وعندما نذهب إلى مكان لا يبقى أحد من الفاشيين هناك، وتم كسر احتلال ونفوذ الفاشيين في كثير من الجامعات، واستطاعت الحركة الثورية لم شملها لتتحول إلى قوة كبيرة من جديد.

عندما كنا نمارس هذه الأنشطة كان هناك تنظيم سري للطلاب القوميين الأتراك هو : TMGT (تنظيم الطلبة القوميين الأتراك) ولكن كان يديره بعض اليساريين المرتبطين بـ CHP (الحزب الجمهوري الشعبي)، واستطعنا الاستفادة منه كثيراً. وقد كانت هناك خصوصية لهذا التنظيم وهو أنه لا يمكن للبوليس الدخول إليه بدون موافقة رئاسة الوزراء، ولهذا كنا نعقد كل اجتماعاتنا السرية بشأن ADYOD هناك، وبذلك حصلنا على النتائج. فقد عقدنا اجتماعاً لـ DHKPC (جبهة – حزب الشعب التحرير الثوري ) الذين كانوا قد خرجوا حديثا من السجون، وأسسوا KURTULU� فيما بعد، والقائد كان يعرفهم، أما الرفاق الآخرون أمثال كمال بير وغيره فلم يكن لهم معرفة سابقة بهم. ولهذا قام الرفيق كمال بير بتوجيه نقد لاذع لهم، وأحد الذين خرجوا من السجن أراد الرد بقسوة ولكن أحد رفاقه لم يدعه يتحدث، ولكنه بعد الاجتماع جاء واعتذر للرفيق كمل بير ولا نعلم ماذا قال له رفيقه، لأن النضال الذي قمنا به لم يستطيعوا هم أن يقوموا به، والرفيق كمال انتقدهم على ذلك، وهم انزعجوا من ذلك ولم يكونوا يعرفون الأوضاع، فكيف يقوم أحدهم بنقدهم وهم الخارجون تواً من السجن !!. كان يصعب عليهم ذلك، ولكن جاء واعتذر فيما بعد. كنا في بيتنا في عيرانجي وجاءوا لزيارة القائد وللحديث معه، وعندما دخلوا من الباب لم يخلعوا أحذيتهم، فجاء القائد إليهم بالمساحة وقال لهم : نظفوا المكان الذي لوثتموه ثم ادخلوا، فنحن كنا متصلبون وكذلك هم، وكانوا قد خرجوا من السجن، وأتوا إلى بيتنا ليتناقشوا مع القائد، ولم يقل القائد : إن هؤلاء آتون من السجن وليدخلوا كما يشاؤون، فطلب منهم أن ينظفوا ما لوثوه، وقال : إنكم اشتراكيون، وأنا نظفت هذا المكان، وبذلت جهداً، بينما أنتم تأتون بأحذيتكم الملوثة وتلوثون ما نظفته، والاشتراكيون لا يلوثون. القيادة التي تقبلون بها هي هكذا، فلم يقبل القائد بالتلوث مطلقاً، ولا يهم إن كان خارجاً من السجن أو ضيفاً، فلديه مقاييسه التي يتخذها أساساً، ولا يتنازل عن مبادئه ومقاييسه، فهو لم يقل إن هؤلاء خارجون من السجن وجاؤوا لزيارتي، لأن القائد كان يهتم بتنظيف البيت، فقد كنا تقاسمنا الأعمال، وهو الذي كان يقوم بتنظيف البيت وهي مسؤوليته، وهو الذي كان يعد الطعام لنا، وكنا نحن نقوم بالأعمال الأخرى، ولم تكن ترى ذرة من الغبار في البيت، فقد كان يقيم القيامة، كان يقول أولاً أنا نظفت هنا ولا يحق لأحد أن يلوثه، فأنا بذلت الجهد وعليكم احترام الجهد، وثانياً أنتم ثوريون والثوريون يجب أن يكونوا نظيفين، والمكان الذي تقيمون فيه يدل على سلوككم، فإذا كان ملوثاً فذلك يعني أن وجوهكم ملوثة. ولا يمكن مشاهدة الفوضى والتشتت بأي شكل من الأشكال، فقد كان نظيفاً ومرتباً وكل شيء في مكانه، فلم يكن يرضى بالفوضى ويحترم الحياة. 

خلال النضال ضمن ADYOD أقامت فاطمة العلاقات معنا، حتى ذلك الوقت لم يكن أحدنا يعرف فاطمة، حيث كانت تنشط ضمن اليسار التركي وتحديداً ضمن DHKP-C، وأرادت أن تتعرف علينا وتقيم العلاقة معنا في مجموعة ADYOD، بينما نحن لم نقبل بالتعامل معها، لأننا كنا نعرف أسرتها، وهي أسرة متواطئة عميلة، وأخذت مكانها في مجزرة ديرسيم، ولهذا لم نرغب في انضمام فاطمة إلينا، لأن الجميع يعرف أسرتها، وأنها ستخلق لنا مشاكل نحن في غنى عنها، كما كان لدينا حقد وكره شديد نحو العملاء، وهذه الأسرة عميلة متواطئة متورطة في إبادة شعبنا في ديرسيم، وحقدنا لا يسمح لنا بقبولها بيننا، وفي ذلك الوقت قلت : هناك حقيقة في كردستان وهي إذا كانت أسرة ما عميلة فإن أبناءها عملاء أيضاً. لأن بعض الرفاق كانوا يقولون ربما هي ليست عميلة، عندها قلت ذلك الكلام، وحدث نقاش كثير بيننا على موضوع فاطمة، والوحيد الذي كان يؤيد انضمامها هو القائد، فقد كان موقفه مختلفاً، وموقفنا كان سطحياً يتضمن العاطفة ورد فعل على الأغلب، وهذا لم يكن موجوداً في موقف القائد، فهو لم يكن ينظر إليها كشخص، بل يراها تمثل طبقة العمالة والتواطؤ في كردستان، وإذا كنا نريد التوصل إلى نتيجة في كردستان فإن طريق ذلك يمر عبر إفراغ هذه الطبقة من محتواها، فإن فضحتها وأفشلتها تستطيع تحقيق نتيجة، وفاطمة لم تكن شخصية اعتيادية، فقد كانت واعية وتملك شخصية قوية، ومتعلمة، ويقول القائد : إذا استطعنا كسب هذه المرأة الواعية المتعلمة ذات الشخصية القوية إلى جانبنا، عندها نحقق مكسباً لحركتنا، ثم يضيف : مهما كانت أسرتها عميلة ومتواطئة تبقى أسرة كردية، وإذا كان العدو قد استخدم هذه الأسرة في الإبادة ضد شعبنا، فإننا ننتقم منها بضم فاطمة إلينا إذا لم نتمكن من إصلاح الأسرة كلها، وبضم فاطمة نستطيع استخدامها ضد الأسرة والنظام لننتقم، هذا كان الأساس في موقف القائد، ونتيجة لهذه النقاشات ارتضينا بضم فاطمة إلينا، أي أن القائد دفعنا إلى القبول ولولاه لما رضي أحد منا بضمها نظراً لارتباط الرفاق القوي بالقائد، وإذا كان القائد مصراً فإن ذلك يعني أن الموضوع لصالحنا، وبنتيجتها قبلنا بها، وبالطبع كان للقائد موقفاً سياسياً أيضاً، ربما لم يكشف عنه لكل الرفاق ولكنه شرحه لبعضهم، وهو مادامت أسرتها عميلة للدولة والدولة تثق بها فإن الدولة ستأمل السيطرة من خلالها علينا، وهذا ما يعطي الفرصة لنشاطنا بعض الشيء، وهذا كان سبباً لإصراره، ربما لم يتحدث عن ذلك كثيراً للرفاق ولكنه تحدث لبعضهم، أي كان له هدفاً سياسياً من ذلك، كان يأمل في تخفيف ضغوط الدولة على الحركة من خلال فاطمة، لتعيش الدولة أمل السيطرة من خلال فاطمة وبذلك تصبح فاطمة درعاً حتى تستطيع الحركة تنظيم نفسها وتخرج من دائرة الخطر، على هذه الأسس تم قبول إقامة العلاقة مع فاطمة وضمها، وهكذا انضمت فاطمة إلينا في تلك المرحلة.

حسناً لماذا عملنا في ADYOD ؟ ولماذا لم ننضم إلى DDKD ؟. لقد كانت حركة اليسار ضعيفة ومشتته، وإذا استطعت لم شملها فإن كل مجموعة تصبح قادرة على إلقاء الخطوات، وهذا ضروري بالنسبة لنا أيضاً، ولهذا يجب أخذ مجمل الحركة بعين الاعتبار، والواقع هو أنه بعد تلك الخطوة استطاعت المجموعات الأخرى إلقاء بعض الخطوات، فالقوة التي تم لم شملها ضمن ADYOD أصبحت قوة دافعة لجميع اليسار فيما بعد، بينما قبل ذلك لم تتمكن ولا واحدة إلقاء خطوة بمفردها، ومع  ADYOD ألتم الشمل وتم إزالة الآثار السلبية والتخريبات الناجمة من انقلاب 1971، وعادت المجموعات اليسارية إلى سابق عهدها في تنظيم نفسها والنضال، ولولا تلك الجمعية لما تحقق كل ذلك، ومهما كانت لنا مجموعاتنا خارج الجمعية إلا أننا لم نسعى إلى تشكيل آخر، صحيح كانت لنا مجموعاتنا المختلفة وهناك تنسيق فيما بينها، إلا أننا لم نكن اتخذنا قرارنا بتأسيس تنظيم منفصل، بل كنا في مرحلة النقاش حول ذلك مع اليسار التركي، وكان ذلك سبباً في عدم إلقاء خطوة مختلفة، وإذا لم ننضم إلى DDKD فلأنه كان تنظيماً قوموياً لا نقترب منه لعدم وجود الثوروية فيه.

رغم عدم وجود تنظيم منفصل لحركتنا هذه في تلك المرحلة إلا أن مجموعاتنا تتميز بالتطرف في فكرها وطرازها وأسلوبها في النضال عن المجموعات الأخرى، فليس لديها الأفكار الإصلاحية ولا التواطؤ ولا أي نهج آخر، وهذا التطرف والثورية لم يكن ممكناً في DDKD، ولهذا لم نأخذ مكاننا فيه.

لقد لعب القائد دوراً أساسياً في لم شمل الحركة اليسارية في تركيا في تلك المرحلة، والجميع كان قد قبل تزعم القائد للحركة في ADYOD، وفيما عدا ذلك فقد كان البوليس قد استولى على جمعية كلية العلوم السياسية وسلمها إلى الفاشيين ونحن قمنا باقتحام الكلية وأخذنا الإدارة من الفاشيين وسلمناها إلى DHKP-C، لأن ماهر جايان كان قد خرج من كلية العلوم السياسية، ووجدنا أن لهم الحق في إدارة الكلية فسلمناها إليهم، هذا أيضاً تحقق في تلك المرحلة، وهذا يدل على الدور العظيم الذي لعبه القائد في الحركة اليسارية في تركيا.

في البداية لم يتقرب منا أحد من أبناء الإقطاعيين الأكراد، ولكنهم وجدوا أن هذه المجموعة تتعاظم داخل ADYOD مع مرور كل يوم، حينها قرر بعض أبناء رؤساء العشائر والإقطاعيين الأكراد التقرب من المجموعة، وكان هدفهم السيطرة عليها وليس الانضمام إليها للنضال والتقدم بها، فقد كانت لديهم الخبرة السياسية ويفهمون من التنظيم، وهم الذين هيمنوا في كردستان، ويعرفون كيف يحمون مصلحتهم مع الدولة ومن خلال تنظيمهم، ولكنهم وجدوا أن هذه الحركة تتقدم مما يشكل خطراً عليهم، ولهذا قرروا التقرب إليها وهم يعتقدون أن هؤلاء يافعين ويفتقرون إلى الخبرة وسيتمكنون من السيطرة عليهم بكل سهولة لأنهم جوعى وهم أثرياء، فسيقدمون لهم الطعام والكساء ويلبون بعض احتياجاتهم، وبذلك سيتمكنون من السيطرة على هذه المجموعة، هكذا كانت حساباتهم.

بالطبع في البداية لم يرغب القائد في انضمام هؤلاء إلى المجموعة، إدراكاً منه أن انضمام هؤلاء إلى المجموعة سيتسبب في إشكالات ويشكل خطراً عليها، وعندما تشكل المجموعة تنظيمها ويزول الخطر عندها يمكنهم الانضمام، وهذا ما حدث، فإلى متى بقي هؤلاء ؟، لقد بقوا حتى قررنا أن نترك أنقرا وننشط في كردستان، وعندما قررنا ذلك اعترض هؤلاء على ذلك، وقالوا بوجوب بقائنا في أنقرا لنعمل مثل التنظيمات الأخرى، فالوقت لا زال باكراً والتوجه إلى كردستان لن يجلب نتيجة، وسيجلب الموت والقتل، وبذلك أرادوا سد الطريق أمام تلك الخطوة، وعندما وجدوا أن المجموعة والقائد مصممان، مارسوا التهديد بالانشقاق، ولكن القائد تصدى لهم واتخذ القرار وبدأ بالنشاط ووجدوا أن التهديد لا ينفع، عندها تخلوا عنا، بل إن بعض الضعفاء أيضاً ذهبوا معهم، بل أستطيع القول بأن كل اثنين من ثلاثة ابتعدوا وبقي الثلث فقط، ولو تصرفنا حسب رغبتهم أو رضخنا لتهديداتهم لما تمكنا من إلقاء تلك الخطوة نحو الوطن، وفي البداية لو قال لنا بعضهم اذهبوا إلى كردستان وإنشطوا هناك لقلنا: أي كردستان، لأننا لم نكن نعرف كردستان، فأنا شخصياً لم أكن أعرف كردستان، ولكن فيما بعد نحن من أنفسنا توجهنا إلى كردستان، لأننا فهمنا الاشتراكية بعض الشيء ومن خلالها فهمنا أنفسنا وفهمنا كردستان، وبنتيجتها اتخذنا القرار بالذهاب إلى كردستان للنضال، ولولا ذلك لما استطاع أحد أن يوجهنا نحو كردستان، فمثلاً الأمر كان هكذا بالنسبة لي، فقد درست في المدارس التركية بالكامل، وكنت قد نسيت اللغة الكردية، ولم أكن أعرف شيئاً اسمه الكرد أو كردستان، ولكن عندما فهمنا كل ذلك توجهنا إلى كردستان، حتى أننا كنا مدينون للدولة التركية ولا زلنا، وكفيلنا هو الرفيق عباس، طبعاً والمبلغ كبير حسب مقاييس ذلك الوقت، فإذا لم أكمل دراستي فإن الرفيق عباس سيدفع المبلغ مع فوائده بقرار المحكمة مع تكاليف المحكمة.

بعد أن نظمت المجموعة نفسها في أنقرا، توجهت نحو الوطن، هذا المفهوم تشكل في نهايات عام 1975، أي خطونا الخطوة الأولى نحو الوطن في عام 1975، حيث توجهت مجموعة صغيرة جداً نحو الوطن، إلى ديرسيم وعنتاب، وبعدها توجهت مجموعة أكبر إلى كردستان في عام 1976، وبالتدريج تم نشر المجموعة في كل أنحاء كردستان، حيث لم ندخل كردستان دفعة واحدة كما أننا لم نرسل كل كوادرنا بل خطوة بخطوة، وكان ذلك أيضاً تخطيط من القائد، وسأتوقف على ذلك فيما بعد. قبل أن نتخذ ذلك القرار كان القائد قد خرج حديثاً من السجن بسبب مسألة ماهر جايان ورفاقه، حيث كانوا قد نظموا إضراباً في كلية العلوم السياسية وجرى اعتقالهم وبقي القائد في السجن لما يقارب ثمانية أشهر، هو وشخص آخر من DHKP-C اسمه دوغان كورتونا، قال لي القائد سأذهب إلى القرية لبعض الوقت فهل تأتي معي؟ قلت نعم، معتقداً أنه خارج من السجن وله مدة طويلة لم يذهب إلى القرية ويرغب في زيارة أهله وليرتاح قليلاً، وعندما ذهبنا وكنا خارجين من نيزيب في الصباح الباكر قال : إن صندويشات هذا المكان جيدة ونحن جائعان فلنتناول بعضها هنا، ولم أكن أعرف معنى الصندويش بالكردية (دوروم)، وفي الصباح الباكر لم يوجد أحد في الشوارع، فاقتربنا من أحد العربات وقال القائد لصاحبها: أعطنا دورومين (صندويشتين)، وأنا في شغف لمعرفة ما هو الدوروم، ووجدت أن الرجل قام بلف بعض الحمص المطبوخ المهروس وسط الخبز وأضاف إليه بعض الفليفلة والخضرة وناولنا إياها، فقلت : ذلك هو الدوروم إذاً، وهو ما كنت أتناوله كل يوم في المدرسة، فقد كنت في مدرسة داخلية ومن كثر ما أكلته كنت أنفر من الحمص، وتناولت واحد مرغماً وحاول القائد إعطائي الثانية فقلت : إنني شبعت، وأصر القائد ولكنني رفضت إلى أن شبع هو. ثم ذهبنا إلى منزل "حواء" أخت القائد، وانعقد اجتماع هناك، عندها عرفت أن مجيء القائد لم يكن بسبب الزيارة وما إلى ذلك، ومنها ذهبنا إلى "بيراجيك" وقال إن دورومات هنا أفضل، فرفضت وقال إنك لم تأكل منذ البارحة قلت إنني شبعان ولم أقل إنني أقرف من الحمص. والحاصل أننا ذهبنا إلى "خلفتي" والقرى، وعقدنا اجتماعات كثيرة ومنها فهمت أن القائد يقوم ببحث واستقصاء، وهذا هو سبب مجيئه، وليس زيارة الأهل وما إلى ذلك، وذهبنا إلى منزل القائد، ومساءً عندما جلسنا إلى العشاء، قال له والده : لقد سمعت أنك أصبحت من دعاة الكردياتية، وقد كنتَ شيوعياً في السابق، وعليك أن تعود إلى الشيوعية فالكردياتية خطيرة جداً. عندها ضحك القائد وقال : حتى أن أبي متقدم كثيراً على اليساريين الأتراك، فهو أيضاً يرى الخطر. كما أن المنظر الذي شاهدته لم يكن اعتيادياً، حيث لفت انتباهي كثيراً. القائد خارج من السجن، وله مدة طويلة لم يذهب إلى قريته، ولما وصلنا إلى بيته، لم أرى آثار ذلك عليهم وكأنهم لم يفترقوه أبداً، هكذا كان أبوه وأمه وأخوته، فأنا أيضاً كنت في المدارس وعندما أذهب إلى البيت، أرى موقفاً مختلفاً، ولكني لم أرى ذلك لديهم وتظن أن هؤلاء مع بعضهم ليلاً نهاراً. وأخبرت القائد عن ذلك فيما بعد، فسألني : كيف كنت تذهب إلى البيت، وماذا يحدث ؟ فأخبرته بما يحدث، فقال : يبدو أنك مرتبط بالعائلة كثيراً وهي مرتبطة بك أيضاً، وأنت تحبهم كثيراً. قلت : ألا تحب أسرتك ؟ قال أحبها ولكن ليس مثلك. أنا لم أعط معنى لهذا الكلام حينها، فهو لم يفسر كيف يحب.

عقدنا اجتماعات كثيرة أنضم إليها الأكراد والعرب والتركمان، ومن هناك ذهبنا إلى سروج. وزرنا أحد البيوت صاحب البيت أكرمنا برمانتين، وسروج مشهورة  برمانها، فاعتقدت أنهما لنا لأننا شخصان القائد وأنا، وبينما كنت أنتظر تقديمها لنا، ولكنه لم يفعل، وبعد قليل رأيت صاحب البيت يفرطهما فاعتقدت أنه يفعل ذلك تكريماً لنا لأن أكل الرمان يحير آكلها، ولكنني رأيته أخذ الرمان وأضافها للسلطة، وكدت أقول له لماذا تفعل ذلك وتخرب الرمان ولكنني امتنعت لوجود القائد، ثم خلط السلطة والرمان وقدمها لنا، فأكلتها ووجدتها لذيذة جداً، ولم أكن رأيت ولا أكلت سلطة الرمان، وعندما خرجنا أخبرت القائد، فقال : كيف ألم تأكل سلطة الرمان؟  قلت : لم آكلها ولا رأيتها، قال : حسناً فعلت وأتيت معي، فستتعلم الكثير، قلت : هذا صحيح، كان جيداً أن أتيت. ثم عدنا إلى بيراجيك و نيزيب وعنتاب وعقدنا اجتماعات فيها، ثم عدنا إلى أنقرا. 

خطر لي أن القائد يستطلع الآراء لكي نتوجه إلى كردستان للنضال، وأخبرت الرفيق كمال بذلك، لن أطيل كثيراً، فقد كان القائد يجري بحثاً بيننا حول ما نفكر فيه عن التوجه إلى كردستان للنضال، هل نفكر فيه أم لا ؟. وما هو قرارانا ؟ فتكلم إلينا الرفيق كمال وأنا، ففهمنا وقلنا : إننا جاهزون للذهاب وقد حان الوقت، فقال: لديكم المدارس، فقلنا : لقد درسنا ما فيه الكفاية. وقال : لا توجد إمكانيات وستلاقون مصاعب جمة، قلنا : إننا لا نبحث عن السهل، وجاوبنا على كل أسئلته بأننا جاهزون، فهو كان يريد معرفة مدى تصميمنا، وعندما وجد تصميمنا وإصرارنا قال : حسناً أنتم تريدون ذلك، ويمكننا إرسالكم. لقد كان ذلك أسلوباً لدى القائد، فقد كان يقرر في نفسه، ولكنه لم يكن يكشف عن قراره، وعندما كان يسأل كنا نشعر إنه يريد أن يأخذ آراءنا ليتوصل إلى قرار، علماً أنه يكون قد اتخذ قراره مسبقاً ولكنه لم يكشف عنه، لدرجة أنك تعتقد أنه قد اتخذ القرار بناء على رغبتك، وذلك هو أسلوب القائد وحقيقة أساسية منه وكان يمارسه دائماً، أقول ذلك حتى يعرف الرفاق أسلوب القائد، وعندها توجهنا أنا والرفيق كمال بير إلى عنتاب للنضال، ونحن الاثنان لم نكن نعرف اللغة الكردية، صحيح أننا كنا قد عملنا بين الشعب في أنقرا وماماق وتوزلوجاي والمدرسة ولكن كان ذلك مختلفاً بالطبع، وتلك أول مرة ندخل كردستان للنضال، والأجواء مختلفة عن أنقرا طبعاً، بل أن النفسية كانت مختلفة أيضاً، فلم نكن نعرف الكثيرين في عنتاب، وأول ما يجب علينا القيام به في عنتاب هو أين يجب أن نسكن، والذين يعرفون عنتاب، كان هناك حي بازارباشي، والآن يقولون أن المدينة قد توسعت وتجاوزت تلك المنطقة، وكان هناك وادي خلف ذلك الحي، كان الأهالي يمارسون تربية الحيوان هناك، حيث هناك كهوف وباراكات، وحتى حصلنا على بيت بالإيجار كنا نقصد ذلك المكان لننام، ثم استطعنا خلق الإمكانيات من أجلنا بالتدريج، ولاقينا صعوبات كبيرة إلى أن استطعنا الاستقرار، وبعدها ذهب كل من الرفيق فؤاد وشاهين دونمز إلى ديرسيم، وذهب آخرون إلى آغري، وهكذا توسع الانتشار في كردستان.

في بداية 1977 نظم القائد اجتماعاً في أنقرا، كان الاجتماع في غرفة المهندسين المعماريين، الاجتماع كان بمثابة ندوة عن قضية كردستان استعرض فيها القائد أفكاره منذ البداية بشكل موسع، بناء على طلب اليسار التركي، وعرض أفكاره عن حل القضية الكردية، وعندها حصلت لدينا القناعة بوجوب العمل بشكل منفصل، والحقيقة عندها توجهنا إلى كردستان، بالإضافة إلى أن الندوة كانت من أجل فتح النقاش حول القضية الكردية لدى اليسار ولمعرفة آرائهم. تلك الندوة فتحت المجال أمام نقاشات واسعة، كنا نحاول كثيراً لينضم إلينا الرفيق قاراسو ولكنه كان يرفض، كان يقول : إن ما تطرحونه صحيح وجيد، ونقول : مادام الأمر كذلك أنضم إلينا، وعندها يسكت، لماذا ؟ لأنه الرجل الوحيد في البيت، والده يعمل في ألمانيا، ويرسل إليه النقود وهو يصرفها، وكان ثورياً في صفوف اليسار التركي، وكانت حياته تماثل حياتهم، وعندما يرى حياتنا يراها صحيحة ولكنها صعبة ويتردد في الانضمام إلينا، ولكننا لم نتركه لحاله، وعندما وجدنا مصممين على انضمامه إلينا قرر الانضمام. وأحياناً يقول : إن هؤلاء مارسوا العسكرية علي، وقد يكون صادقاً في ذلك، لماذا ؟ لأنه كانت لدينا حقيقة، وهي لو أننا وضعنا نصب أعيننا شيئاً ما لا نتخلى عنه حتى نحققه، والرفيق قاراسو قاوم كثيراً ولكنه لم يفلح أمام تصميمنا فرضخ. فقبل انعقاد تلك الندوة كان قاراسو مع رفاق له في وليمة يتناولون الطعام والمشروب، وعندما حضر كان لازال تحت تأثير المشروب. وعندما ينتهي القائد من كلمته وتفتح الندوة للنقاش يقوم أحد المنتمين لـ THKP-C بطرح الأسئلة، ويتلفظ بكلام استفزازي، ولأن قاراسو تحت تأثير المشروب يصرخ فيه، ويتعجب كل من في الصالة، والرفاق يقومون بإخراجه من الصالة، قال الرفيق قاراسو فيما بعد: عندما أتيت وأنا أعلم أن الرفاق لا يشربون الكحول، فقمت بغسل فمي بالصابون والمعجون حتى لا تشموا الرائحة ولا تتخذوا مني موقفاً وتنتقدوني. ولأنه تحت تأثير المشروب يتمتع بجرأة زائدة، ولهذا يقوم بالصراخ في وجه الرجل. عندها يتعجب القائد أيضاً ويسأل ما هذا، ومن الذي ضمه إلينا؟ فهو لا يعلم بأنه تناول المشروب، والرفاق يتدبرون الأمر، فقد كادت الندوة أن تفشل. بالنتيجة هكذا انضم إلينا قاراسو. 

بعد تلك الندوة خرج القائد إلى كردستان، ليرى كيف سيكون تأثير تلك الندوة على الدولة، لأن الحركة بذلك الاجتماع ألقت خطوتها، والتراجع لم يعد ممكناً، يقال تخريب الجسور، وذلك الاجتماع كان بمثابة تخريب للجسور، ولهذا كان القائد يريد معرفة رد فعل الدولة، فكيف ستتصرف الدولة ؟ وكيف ستكون مقاربتها نحو الحركة ؟. كان يريد معرفة ذلك، بالإضافة إلى هدف آخر للقائد، فعندما عقد تلك الندوة وذهب إلى كردستان بعدها مباشرة وعقد اجتماعات متلاحقة من آغري إلى أنقرا، كان يهدف إلى نشر الأفكار التي طرحت في الندوة بين أعضاء ومؤيدي المجموعة في كل مكان بسرعة، فقد تتحامل الدولة ويجب على الرفاق أن يستعدوا لذلك، فربما نتلقى ضربة في المستوى الأعلى، ويجب أن يكون هناك من يدافع عن تلك الأفكار ويعمل حسب تلك الأسس، حتى لا يذهب ذلك الجهد سدى. كان هناك هذا الخطر بالإضافة إلى أن النشاط الجاري كان يتطلب ذلك أيضاً. القائد ابتدأ من آغري ثم قارس ثم ديرسيم وألعزيز وبينكول عقدها في قاراكوجان بين المدينتين، ثم آمد وأورفا والاجتماع الأخير عقده في عنتاب وكان أوسع الاجتماعات، ذلك الاجتماع الذي انضم إليه الرفيق حقي قارار أيضاً، حينها كان الرفيق حقي يناضل هناك، فعندما بدأ الرفيق حقي بالنشاط هناك خرجنا نحن، أنهى القائد اجتماع عنتاب وتوجه إلى أنقرا مرة أخرى، وبعدها بثلاثة أيام تم قتل الرفيق حقي في عنتاب، وبذلك اتضح موقف الدولة من الحركة ومقاربتها، لقد كانت تلك الجولة التي ابتدأت من آغري وانتهت بأنقرا كانت الخطوة الأولى نحو التحرر، وهي مسيرة نحو الحرية، فمثلما كانت لـ ماو (MAO) مسيرة نحو الحرية في الصين يسمونها بالمسيرة الطويلة، وفي تاريخنا تلك الخطوة التي ألقاها القائد من بيازيد حتى عنتاب تشكل مسيرة الحرية، فقد كانت مسيرة تاريخية، ففي تلك الاجتماعات قام القائد بشرح وتفصيل نتائج أبحاثه وأفكاره كلها للرفاق، الكوادر كانوا قليلون فيها، ربما ضم كل منها اثنين أو ثلاثة من الذين ذهبوا من أنقرا إلى كردستان، وكل الآخرون من الذين كسبناهم من مؤيدين خلال نشاطنا هناك وكانوا مرشحين للانضمام، كان لتلك الاجتماعات تأثيراً بالغاً على نضالنا، فالكثير عرفوا القيادة فيها، فالذين التفوا حولنا خلال نشاطنا في كردستان رأوا القائد لأول مرة في تلك الاجتماعات، وتأثروا كثيراً بأفكاره، وبعد تلك اللقاءات ازداد ارتباطهم بالحركة والقائد، وازداد نشاطهم. كما لعبت تلك الاجتماعات دوراً كبيراً في التحول الكادري في الحركة، فكل الذين انضموا إلى تلك الاجتماعات تحولوا إلى كوادر دون استثناء نتيجة لتلك الاجتماعات. وعليه تقدمت الكادرية وتقدم النضال. كما أن تلك الاجتماعات لعبت دوراً أساسياً في التوجه نحو التحزب.فهي أسست لحملة التحول إلى حزب. 

إن استشهاد الرفيق حقي قارار كان مهماً جداً بالنسبة لنا، فحادثة القتل كانت وحشية جداً، عندما قتل الرفيق حقي كنت في الكاراج، وعندما وصلت إلى المكان كان قد تم أخذ الجثمان، بالطبع كنا قد تلقينا ضربة مؤلمة، فقد دفعنا رفيقاً مثل حقي قارار شهيداً، ولم يكن من السهل قبول ذلك، فقد كان صعباً جداً، ولهذا تنامى لدينا رد فعل وغضب كبير، ولكن تنامى خوف كبير أيضاً لدى بعض الرفاق، إضافة إلى التوتر، فبعد استشهاد الرفيق حقي تخلى البعض عن الحركة ولم نعلم إلى أين ذهبوا، ثم سمعنا أن بعضهم وصلوا إلى أوروبا، وبعضهم ذهبوا إلى تركيا والبعض الآخر تركوا عنتاب، وهكذا كان الوضع بمنتهى الجدية، فمقتل الرفيق حقي وضع الحركة أمام خيارين، إما التوقف أو الاستمرار، هذا ما كنا نعيشه، الرسالة الواضحة التي أوصلتها الدولة إلينا من خلال مقتل الرفيق حقي هي : إن تابعتم طريقكم فستقتلون مثل حقي، وإذا لم تكونوا راغبين في ذلك فعليكم ترك هذا العمل، وذلك كان سبب خوف البعض الذين تركوا عنتاب ووصول بعضهم إلى أوروبا، بينما الغضب والحنق كان كبيراً لدى قسم من الكوادر، ولم يقبلوا ذلك الاستشهاد ويريدون الثأر بأي شكل وبأي ثمن كان، وكان الرفاق قد تجمعوا حول مستشفى عنتاب ليأخذوا الجثمان، ووضعوا كل الاحتمالات نصب أعينهم في سبيل أخذه، والدولة فهمت ذلك وأرادت أن تحدث مجزرة، ولكن القائد تدخل وحال دون ذلك، فاستولى الرفاق على الجثمان في الطريق، وأخذوه إلى أوردو، كيف يستشهد الرفيق ؟ كما قلت سابقاً كان ذلك الرفيق أول من خرج من أنقرا وذهب إلى أضنه للنضال، وكان معروفاً، من خلال النضال في صفوف ADYOD وفي النشاط الجامعي، وفي الصراع ضد الفاشيين، وكنا قد انتخبناه مع قمر أوزكان نائبين للقائد في اجتماعنا في "ديكمن" في أواخر 1976، ويحظى اجتماع ديكمن بأهمية بالغة في تاريخ حزبنا، لأننا كنا قد قمنا بنضال في كردستان، وتم إلقاء بعض الخطوات وعليه تم عقد ذلك الاجتماع، لتقييم ما تم من عمل، ووضع الخطط اللازمة للفترة اللاحقة، وفي ذلك الاجتماع قال القائد : لقد أدرت هذا النضال بمفردي حتى الآن، ومن الآن فصاعداً يجب أن تكون هناك إدارة لهذه الحركة، فقد قمنا بالنشاط في كردستان، والنضال هناك يتطور يوماً بعد يوم. وهكذا قمنا بتقييم النشاط في هذا الاجتماع، مثلما تناقشنا حول الخطوات اللاحقة ووضعنا برنامجاً لها، ثم أردنا تحديد إدارة للحركة، فحتى ذلك التاريخ لم نتناقش على مثل هذا الأمر، وكان ذلك بناء على طلب القائد، ولهذا قمنا بتحديد نائبين للقائد، الأول كان الرفيق حقي قارار والثاني قمر أوزكان، وقمر أوزكان كان قد انضم إلينا من صفوف TIKKO (المنظمة الثقافية للعمال والقرويين)، ولكن لم نكن نعلم أنه كان المناوب في الحراسة عندما تم اعتقال ابراهيم كايباكايا جريحاً (قائد التنظيم)، فقد ذكر ابراهيم في تقييماته بوجوب محاسبة آخر مناوب في الحراسة عندما تمت مداهمة المجموعة، ولم نكن نعرف أنه كان قمر أوزكان، وبعد فترة طويلة علمنا بذلك، وهو الوحيد الذي نجا، أما باقي مجموعة ابراهيم كايباكايا فمنهم من استشهد ومنهم من اعتقل جريحاً، ويدعي أنه كان يختفي في تلك المنطقة، وأخبرنا به الرفيق فؤاد والآخرون، أن هناك ثوري من رفاق ابراهيم وبقي وحيداً، وكانوا قد تحدثوا إليه بعض الشيء، وأخبرونا عن الوضع، ونحن حاولنا إنقاذه ولم يكن من رفاقنا، فقلنا: مادام إنساناً ثورياً وبقي وحيداً يجب علينا إعاشته، وهكذا مددنا له يد المساعدة وقلنا : إذا كنت ترغب القيام بأي شيء من أجل إحياء منظمتكم فنحن على استعداد لتقديم كل ما نستطيع لك، حيث قال : أنا لا أستطيع القيام بشيء من هذا القبيل، ولم يبق شيء من TIKKO في الميدان، وأنا مؤمن بصحة نهجكم، وأريد الانضمام إليكم. قلنا: إذا كنت تعتقد أننا نعتبر ما نقدمه لك من معونة وحماية فضلاً ومنة منا عليك، وتريد الانضمام لرد الجميل فنحن لن نقبل بذلك. فقال : لا ليس هذا موقفي، وإنني أرى نهج هذه الحركة سليماً وأريد الانضمام إليها. عندها أعربنا عن استعدادنا لقبوله بيننا، ولهذا اهتممنا به، فإذا كنا قد جعلناه نائباً للقائد في ذلك الاجتماع فذلك هو السبب. فكما أشرت كان لانضمام كمال بير وحقي قارار تأثيراً كبيراً علينا، وكذلك كان لليسار التركي تأثيره علينا في شخص ابراهيم كايباكايا ودنيز كيزميش وماهر جايان، فقد احترمناهم إلى أبعد الحدود، وأردنا بوضعه في المسؤولية أن نعبر عن احترامنا هذا نحو ابراهيم، وإلا فقد كان لنا رفاق يليقون بذلك، ولم نضع رفاقنا بل وضعناه في ذلك المستوى. بعد اجتماع ديكمن ذهب أوزكان إلى ديرسيم مرة أخرى، ونشط بعض الوقت، بعدها وجدناه يقوم بأفعال مشينة، فنقدناه عدة مرات، فلم نفلح في إصلاحه، ثم اتخذنا منه موقفاً، لأن الحياة التي يحياها والعلاقات التي يقيمها والأخلاق التي ينتهجها يستحيل علينا القبول بها، في البداية قلنا إنه قادم من اليسار التركي، ولهم طباعهم فقمنا بنقده، ولما وجدنا أنه مصمم ولا يتخلى عن ممارساته قاطعناه، وبعد ذلك تأسس تنظيم "تيكوشين" فانضم إليهم وأراد أن يتآمر على الرفاق هناك، بعدها تم تصفيته. وكان ذلك بعد وقت طويل أي بعد 1978. 

وهكذا كان الرفيق حقي نائباً للقائد بعد اجتماع ديكمن، ولهذا كان استشهاده مؤثراً جداً علينا، فقد كان أول استشهاد على هذا المستوى، وقد كانوا قادرين على استشهاده في أنقرا وكذلك في أضنه، ولكنهم لم يفعلوا ذلك هناك، بل فعلوه في عنتاب في كردستان، فلو فعلوها هناك لما استطاعوا تحقيق أهدافهم، فإذا لم يفعلوها فهو لذلك السبب، فهم أرادوا أن يفعلوها في كردستان وبأيدي الخيانة الكردية، وعندها تتحقق أهدافهم. فحسب مفهومهم ارتكب الرفيق حقي خيانة كبرى بحقهم، والموت هو ثمن الخيانة، هذه هي حقيقة الدولة التركية، أحياناً كنت أقول للرفيق عباس : إنهم وضعوا أسماءنا جميعاً في القائمة ولم يضعوا اسمك، فما هي المسألة ؟ وهو يضحك، فهم لا يقطعون آمالهم فينا، فقد يقنعونا أو يجذبونا أو يعتقلونا، وربما يكسبوننا، وعندما لا يضعون اسمك فذلك يعني أنهم شطبوا عليك مثل الرفيق حقي قارار، لأنك خنتهم، ولهذا ليس لك اسم في القائمة. تلك هي حقيقة طبعاً، فقد خانهم حقي قارار وعقوبته الموت، وكان قد فتح شرخاً كبيراً في نظامهم، وذلك الشرخ كان يكبر مع الزمن، حيث ينضم مزيد من الشباب التركي إلى الحركة، لذا لم يكن خائناً فقط، بل فتح الطريق أمام انضمام الشباب التركي إلى الحركة، فالمستعر كان ينفي الوجود الكردي ويفرض سياسة إنكار الوجود والإبادة، بينما كان يقول الرفيق حقي وكمال بير والآخرون : الأكراد موجودون ونحن نعادي تلك السياسة، ولم يكتفوا بالقول، بل بعملهم ونضالهم ودعوتهم للشباب التركي إلى الانضمام إلى الأكراد في نضالهم، والتصدي للدولة التركية. ولهذا لم تكن الدولة التركية قادرة على التسامح معهم، فإذا جعلوا الرفيق حقي هدفاً لهم فذلك هو السبب. وإذا لم يجعلوه هدفاً لهم في أنقرا أو أضنه بل في عنتاب فذلك هو السبب، وعلى يد من تم قتله ؟ على يد علاء الدين قبلان، ومن هو علاء الدين قبلان ؟ كان من THKO(الجيش الشعبي لتحرير تركيا) اعتقل ودخل السجن، وتحول إلى عميل وخرج، وأسس تنظيماً باسم الأجزاء الخمسة (لكردستان). ويضم ذلك التنظيم أشخاصاً من PDKT(الحزب الديموقراطي الكردستاني في تركيا)، وآخرون من THKO وآخرون لا أدري من أين، أي تنظيم خليط وغامض، وهدفهم هو أن جزء من كردستان في أرمينيا ولهذا يسمون أنفسهم بالأجزاء الخمسة، بينما الهدف الحقيقي لهم هو تصفية الحركة الآبوجية تماماً، فهم التقوا بالرفيق حقي قارار في أضنه، وعندما يأتي الرفيق حقي إلى عنتاب يلحقون به، وفي عنتاب يكتبون اسمهمSterka Sor  على الجدران، وهم دعاة الأجزاء الخمسة، والرفيق حقي يدرك جيداً خطورة شخصية علاء الدين قبلان، ولهذا يقول لجميع الرفاق : إن قبلان هو مسؤول هذه المجموعة وهو خطير جداً وهو من البوليس على الأغلب، وعلى الرفاق اتخاذ الحيطة والحذر، وقد جاؤوا إلى هنا لخلط بعض الأمور ويجب الحذر منهم، ويجب أن لا يدخلوا في النقاش معهم، فهم سيتآمرون، وفي أحد الأيام يأتي بوزان أصلان وهو من بيننا ويقول : لقد وعدنا بعض تلك المجموعة لنلتق بهم في "دوزتبة"، في بازارباشي، في الساعة كذا والمقهى الفلاني، واليوم الفلاني، فينتقدهم الرفيق حقي ويقول : لقد قلنا لكم أن لا تتواعدوا ولا تتناقشوا مع هؤلاء، وأن تبتعدوا عنهم، فيقولون له، هكذا فعلنا، يقول لهم حقي : مادام الأمر كذلك اذهبوا أنتم أولاً بالسيارة وابقوا هناك، وأنا سأذهب إلى البيت الذي استأجرناه (كان لدي مسدس في ذلك البيت) ليأتي معي بعض الرفاق، ولكن كونوا حذرين.  بالطبع هم لم يذهبوا، والرفيق حقي يذهب إلى البيت فلا يجد الرفاق ولا المسدس، فيعتقد أنهم ذهبوا أيضاً ويتوجه إلى الموعد، ويصل إلى هناك ولا يجد أحداً. يذهب علاء الدين قبلان وستة من عناصره إلى المقهى ويقول لهم استعدوا فإننا سنبيدهم، ويستعدون لذلك ويجهزون المقهى حسب ذلك، والعاملون في المقهى كلهم أكراد علويون، وعندما يسمعون اسم الفاشيين يتراجعون. يصل الرفيق حقي ولا يجد أحداً في الخارج فيعتقد أن رفاقه في الداخل، وفور دخوله المقهى يرشه علاء الدين قبلان بالرصاص فوراً، فيستشهد الرفيق حقي في أرضه، ويهرب القتلة من هناك، ويلقون بهوية على جسد الرفيق، والهوية تعود لأحد رفيقين استشهدا في "دوزتبة" من بين صفوف THKO، أحدهما إلهان والثاني ممو، والهوية تعود لإلهان، والهدف من ذلك هو التشويش، لأنه كانت بيننا و THKO تناقضات وصدامات، ورموا بالهوية لنتهمهم، ولهذا خاف ذلك التنظيم من الثأر.

بعد استشهاد الرفيق كان هناك شاب انفصل عنا وانضم إليهم في الجريمة، يفهم أن المستشهد هو الرفيق حقي قارار، فقد سمع بالرفيق حقي ولكنه لا يعرفه، ويندم على ما فعل، ويحاسبه ضميره. فذهبنا كمال بير وأنا وليس لدينا أية معلومات نستند إليها لفهم الحادث، فبحثنا هنا وهناك دون نتيجة، وكان لنا أحد المؤيدين في أحد أحياء عنتاب، وذلك الشاب يرانا نتحدث مع ذلك المؤيد، فيذهب إليه ويقول : أنا أعرف كيف استشهد حقي قارار، وأنا كنت من بين تلك المجموعة ولم أكن أعلم أنه الرفيق حقي، وقد قالوا لنا أنه من الفاشيين، والآن يحاسبني ضميري، ويمكنك أن تخبر الرفاق بذلك فأنا أريد أن أستسلم للرفاق، وما تتخذه الحركة من قرار بحقي أنا أرضى به. وجاء ذلك المؤيد إلينا فوافقنا على مجيئه. ثم جاء فمنحناه الثقة والاطمئنان مقابل أن يزودنا بكل المعلومات عن الذين تورطوا في التخطيط والتنفيذ، أسماءهم وأوصافهم وعناوينهم، وعندها يمكن العفو عنه. ونحن سنحميك أو قد نقتلك إذا استغليت الوضع فهو كان قد ذكر بأنه كان له علاقة بالجريمة، فرضي الشاب بكل شيء بما في ذلك قتله إذا وجدت الحركة بأنه يستحقها، وهكذا جاء إلينا وطلبنا من الرفاق حمايته حتى لا يصاب بمكروه. لقد أخذنا جميع المعلومات منه، وشكلنا مجموعة خاصة لإبادة تلك المجموعة، ونبدأ بعلاء الدين قبلان، ثم تركنا كل أنشطتنا وجعلنا هذه المهمة في مقدمة عملنا، ثم تأكدنا أن علاء الدين موجود في أحد البيوت في عنتاب، فحاصرنا البيت، وكل بوليس عنتاب قام بحصارنا، وكاد أن نتعرض للإبادة، ونجونا من الحصار بصعوبة، بالطبع هرب قبلان من هناك، وضاع منا أثره، وتتبعنا أخباره إلى أن وصلتنا معلومة بذهابه إلى اسكندرون، فطلبت الرفيق مظلوم دوغان وأرسلته إلى اسكندرون للنشاط ثم للتحري عن علاء الدين، وقلت: لا شك أنه سيبقى بين الأكراد، ولنا بعض العلاقات، ومن خلالهم يمكنكم تحديد مكانه، فإن علمتم بمكانه أعلمونا. فذهب الرفيق مظلوم وعمل هناك لمدة شهرين، بعدها أرسل خبر العثور على مكان إقامة علاء الدين، فأرسلنا الرفاق فوراً، فذهبوا وأكملوا مهمتهم. لقد كان علاء الدين هو المهم، فالآخرين كنا نعرف كل شيء عنهم، وقرارنا كان تصفية علاء الدين أولاً ثم الآخرين تباعاً، وهذا ما حدث، بعضهم في عنتاب، وبعضهم في أضنه وميرسين وألعزيز وهكذا لم يبق أحد من تلك المجموعة ، وبذلك انتقمنا. والانتقام الأكبر كان سيقوم به القائد آبو بالبرنامج والخطوة نحو التحول الحزبي. أتَذَكَر أننا كتبنا بياناً في عنتاب بعد تصفية مجموعة قبلان، الرفيق كمال وأنا، كان نصف صفحة فقط، قرأته فاستمع إليه الرفيق كمال وقال إنه جيد جداً، ثم طلبت من كمال قراءته فاستمعت إليه وقلت إنه جيد وكافي ولا يجب أن نطيل، فالبيان الذي كتبناه كان حديثاً عن الواقع وفي نصف صفحة فقط. بينما اليوم نرى رفاقنا يكتبون عشر صفحات عن حدث بسيط، وليس هناك من يكتب أقل من ذلك، أي إنهم يريدون بذلك تكوين هويتهم، وكان بياناً مؤثراً جرى توزيعه على نطاق واسع. ومثلما ظهر تنظيم Sterka Sor جرى إخماده من جانبنا. هذه حقيقة هذه الحركة، فلم نترك جريمة بحقنا بدون حساب، بينما في السنوات الأخيرة نرى ابتعاداً كبيراً عن هذا المبدأ. كثيراً من الذين أجرموا بحقنا بقوا بعيدين عن المحاسبة. ألتقي كثيراً من الوطنيين يسألوننا قائلين: يا رفاق لماذا لا تحاسبون المسيئين؟. فهذه الحركة هي حركة مساءلة، ولكن الكثيرين يسيئون ولا تتم مساءلتهم، كلا ليست الأمور كذلك، هذه الحركة لا تغفر المسيئين، فقد تمهل ولكنها لا تهمل. فإذا كان هناك حساب فلا بد أن يسأل. لأن هذه الحركة هي حركة للعدالة والمساواة. أما أن يسيء أحدهم ويبقى بدون مساءلة فهذا مستحيل. والمساءلة تتم بأشكال متعددة، وستسأل جميع من لديهم حساب ولن تترك أحداً منهم، هذا ما أستطيع تأكيده. لأنه مبدأ من مبادئ هذه الحركة، يقول القائد آبو : سأحاسبكم حتى ولو كنتم في القبور. وعلى كوادر هذه الحركة أن يعرفوا هذه الحقيقة في الحركة. ويتم ذلك حسب المكان والزمان، فقد تتأجل المحاسبة لعدة سنوات  حسب الزمان والمكان، ولكن لابد من المساءلة، حتى يتم التمييز بين الصالح والطالح. 

الدولة المستعمرة قتلت الرفيق حقي قارار بيد الخيانة الكردية وفي كردستان حتى تثأر لنفسها وتتمكن من تحقيق أهدافها. فقد ذكرت أن سراج بيلكين قال: عليكم أن لا تدخلوا كردستان، وإن دخلتم فإننا سنقطع أرجلكم. فمع استشهاد الرفيق حقي تأكدت صحة ما قالوه، لأن بعض الذين أخذوا مكانهم ضمن تلك المجموعة كانوا من PDKT(الحزب الديموقراطي الكردستاني في تركيا)، ومن ذلك تأكد أنهم لا ينطقون عن الهوى. بعد استشهاد الرفيق حقي دفع العدو بأسرة الرفيق حقي نحو التآمر علينا. فقد جاء أخوه الأكبر بدري وقال : إن حقي ناضل من أجل الأكراد، فماذا كان ذنبه حتى قتله الأكراد؟. لهذا قتلت الدولة التركية الرفيق حقي بيد الأكراد حتى تثأر لنفسها وحتى لا ينضم الشباب التركي إلى صفوف هذه الحركة، لتقول : أنظروا لقد ذهب حقي ليناضل من أجل الأكراد فما فعله الأكراد به. والجميع كانوا يقولون : يجب أن لا يعمل أحد شيئاً من أجل الأكراد. فالأكراد لا يفهمون وهم خونة. وعليكم أن لا تتقربوا من الأكراد، فإن عملتم فهم سيخونونكم ويقتلونكم مثلما قتلوا حقي. ولهذا السبب دفعوا أسرة الرفيق حقي علينا. ونشروا هذه الدعاية في المنطقة التي ينتمي إليها الرفيق حقي. لا يمكن القيام بالنضال من أجل الأكراد فهم لا يفهمون ذلك، وباقي قرار "سليمان" تآمر ضد هذه الحركة لهذا السبب، فمنذ البداية كان الرفيق حقي يقول عنه : إن هذا لا يمكن أن يكون ثورياً رغم إنه أخي، ويجب أن يبقى بعيداً عنا لأنه يجلب المصائب، ثم يضيف : ربما هو سيفهمني خطأً ويعتقد أنني لا أرغب في انضمامه، بل إن تكوينه الشخصي غير مناسب، ولا يمكنه أن يكون ثورياً ولا ملكاً لهذه الحركة، وسيتسبب في كثير من المشاكل. بينما القائد كان يهتم به بشكل خاص لكونه أخ حقي قارار ويقيم معه في أنقرا للدراسة، وقد بذل القائد جهداً كبيراً من أجل باقي حتى يجعل منه إنساناً مستقيماً، كل ذلك إحتراماً للرفيق حقي قارار، فقد كانت لديه مشاكل من قبل، وعند استشهاد حقي قامت الدولة بدفع الأسرة التي بدورها دفعت باقي إلى ارتكاب مزيد من المشاكل حتى تخلى عنا و ذهب. وذلك كان هدف الدولة التركية، لعكس المسار والحقائق، حتى لا تتحقق وحدة الشعب الكردي والتركي، وبهذه الإبادة حاولت تحطيم تلك الوحدة، وإثارة الأتراك ضد الأكراد، ليبتعد الشباب التركي عن هذه الحركة.

كان الرفيق حقي قارار شخصية عظيمة، وله مكانة خاصة في تأسيس وتقدم هذه الحركة، فله دور في تحول الحركة إلى PKK وترسخ خصوصياته ومزايا الحزب وكوادره. والحزب لن ينسى ذلك مطلقاً. ولهذا كان يقول القائد : إن حقي قارار كان روحي المخفية. وللحقيقة فقد كان الرفيق حقي من بيننا أول من يفهم القائد ويستوعبه ويضعه في الممارسة العملية فوراً. ولهذا يقول القائد إنه روحه. فالمعروف عن القائد أنه يفكر ويعمل في نفس الوقت، ولا يقدم أحدهما على الآخر، وبذلك يحي الدياليكتيك، هذه هي ميزة القائد آبو، والرفيق حقي كانت هذه الخصوصية التي أخذها من القائد، فقد كان لديه الفكر والممارسة تسيران معاً. فلم يكن يقدم الفكر على الممارسة، ولا الممارسة على الفكر، بل يسيرانهما سوية. ولهذا يقول القائد إنه روحه المخفية. 

الرفيق حقي كان قد جعل من التعمق الأيديولوجي، وتبني طراز الحركة أساساً له، والتواضع وخلق القيم والالتزام بالمقاييس من سماته الأساسية، والمكان الذي يتواجد فيه الرفيق حقي ليس فيه إحباط للمعنويات، ولا ضعف الثقة ولا التردد، ولا يمكن لأي رفيق أن يحيا حسب المزاجية، حيث كان يشغله ويحقق لديه التقدم والتطور. وإذا كان هناك خطر فهو الذي يتصدى أولاً ثم رفاقه، كل ذلك من أسس شخصية حقي. كنا في عنتاب ولدينا بيت نقيم فيه، وكنا قد تدبرنا شنطة من الكتب لنا في البيت، ولدينا فرشة واحدة أي لحاف وطرحة، كما كنا حصلنا على قالب من الديناميت نحتفظ به في ذلك البيت، وانتهى إلى علمنا أن البوليس سيقتحم ذلك البيت، فاجتمعنا لنرى كيف نتمكن من إنقاذ حوائجنا من ذلك البيت، و هي كل ما نملكه. كل الرفاق قالوا إنني سأذهب إلى البيت لإخراج الحوائج، وليقف الآخرون في الخارج لحمايتي، والرفيق حقي قال : إنني الذي سأدخل وتبقون أنتم في الخارج، فالخطر يجب أن أعيشه أنا وليس أنتم. بينما الرفاق كانوا يتقدمون كي لا يتعرض هو للخطر، ثم قمنا بمحاصرة البيت ودخل هو وأخذ الحوائج وخرج. وحوائجنا كانت تلك فقط، ولكنها كانت مهمة بالنسبة لنا في ذلك الوقت، أي أننا وضعنا في اعتبارنا إمكانية الاستشهاد وأخذنا حوائجنا من هناك. بينما ناهيك عن المخاطرة في سبيل إنقاذ ممتلكات الحركة، بل نجد من يبعثرها كمن يرمي التراب في الماء، بالطبع هذه أيضاً قاعدة أخلاقية وثقافة لا علاقة لها بالقائد ولا بالرفيق حقي. وفي يوم آخر كنا في بيتنا في أحد أحياء عنتاب، وكان الرفيق قاراسو مريضاً ونمنا جميعاً وقال الرفيق حقي أنني سأبقى حرساً مناوباً، وفي الليل قمت وقلت له يكفي يارفيق حقي فلينوب رفيق آخر عنك في الحراسة. قال : كلا أنا سأبقى مناوباً حتى الصباح، ومتى شعرت بحاجتي للنوم سأوقظكم. وبقي حتى الصباح مناوباً عند رأس الرفيق قاراسو، إلى أن فتح قاراسو عينيه، هذه هي حقيقة الرفيق حقي قارار، فالروح الرفاقية لديه كانت قوية جداً وجعلها أساساً له مثله مثل القائد آبو. فرفاقيته كانت على ذلك المستوى، ولهذا السبب يقول القائد أنه روحه المخفية. لأنه يرى في الرفيق حقي ذاته وفكره وشخصيته وروحه أي طرازه، فلدى الرفيق حقي يأتي التنظيم والممارسة قبل كل شيء، فإن أسس التنظيم فهو من أجل الممارسة العملية. والعمل الذي يقوم به هو من أجل توسيع التنظيم، كل هذه المزايا التي تواجدت في القائد والرفيق حقي أصبحت مزايا وهوية هذه الحركة ومزايا كوادرها التي تسببت في تقدم هذه الحركة. 

كان استشهاد الرفيق حقي قارار نقطة مهمة بالنسبة للحركة لأن العدو بدأ من هناك بتنفيذ قراره بتصفية الحركة. فبعدها استعدت الدولة التركية لاغتيال القائد في أنقرا في شهر تموز من عام 1977 في مبنى وحدة توركيش، وإن لم أكن مخطئاً كان في 8 تموز، حيث أطلقوا الرصاص ولكن الطلقات لم تصب القائد، رغم أن إطلاق الرصاص كان كثيفاً، فالقائد كان قد توقع حوادث إغتيال بعد استشهاد الرفيق حقي، ولهذا ذهب إلى ذلك المبنى ولم نكن قد أقمنا هناك من قبل، والدولة قامت من تحديد مكان إقامة القائد من خلال بيلوت (نجاتي كايا)، وهناك احتمال أن بيلوت كان من بين المنفذين، ولأن القائد كان حذراً ومتوقعاً لمثل هذا الحدث فقبل أن يخرج من الباب الخارجي نظر إلى أطرافه، وعندما وجدوه بالباب بدأوا بإطلاق الرصاص فقفز القائد إلى الداخل فوراً، وبذلك نجا، ولولا الحذر الشديد للقائد لقاموا بتصفيته هناك. وبعد تلك الحادثة اتخذ القائد مزيداً من التدابير. بعد ذلك جاء القائد إلى عنتاب حيث كنا قد استأجرنا بيتاً في هوشكوردو، وكان بيتاً سرياً لا نستخدمه كثيراً. ودخل القائد إلى ذلك البيت ولم يخرج منه حتى أكمل وضع برنامج PKK في خريف 1977، في الشهر العاشر على ما أظن، قام بإعداد مسودة البرنامج وأعطاني إياها وطلب مني توزيعها على جميع الرفاق في كل مكان، ليقرأوها ويناقشوها ويتدربوا عليها، لنقوم بعقد اجتماعات من أجلها فيما بعد. فالقائد قرر الاستمرار في مجابهة هذا الاعتداء من خلال وضع البرنامج وإلقاء الخطوة نحو التحزب، وجعل من ذلك الاستشهاد العظيم أرضية لهذه الحركة، ولهذا يجب إلقاء خطوة عظيمة تليق بتلك الشهادة، فالارتباط بالرفيق حقي والرفاقية تتطلب مثل تلك الخطوة من القائد، لأن الارتباط والرفاقية أساس هذه الحركة، فمثلما كان الرفيق حقي يعمل بدون تردد مع القائد حتى استشهاده، بعد نصف ساعة من الاستماع إليه، كان على القائد أن يعبر عن ارتباطه ووفائه للرفيق حقي بإلقاء خطوة تليق به، ولهذا جاء وضع البرنامج وإلقاء الخطوة نحو التحزب. وتأسس PKK نتيجة لذلك الاستشهاد، فلأول مرة في التاريخ الكردي يفشل تآمر في تشتيت الأكراد ويصبح دافعاً لأن يسطر تاريخ جديد، فالتاريخ في كردستان بات يعيش بشكله الحقيقي، فحسب فكر القائد يجب أن يتسبب التآمر الكبير في إلقاء خطوات كبيرة، والاستشهاد العظيم يكون سبباً لإلقاء خطوات عظيمة، وكل استشهاد يجب أن يكون سبباً لمزيد من التقدم، وهذا مبدأ من المبادئ، فكل استشهاد في هذه الحركة تحول خطوة كبيرة ومزيد من التقدم. هذا من دواعي ومتطلبات الرفاقية، فبتأسيس PKK يتأكد خلود الرفيق حقي قارار. ومن يسأل عن خلود حقي سيجد الدليل في وجود PKK.