وكان يجب مساءلة كل من ارتكب الجرائم بحق الشعب الكردي ،ولهذا لم يترك PKK أحداً من هؤلاء الذين أوصلوا الشعب الكردي إلى هذا الوضع...

الحلقة الثانية من محاضرة ألقاه الرفيق جميل بايك حول تاريخ الحزب

كان الشعب الكردي يفكر بمنتهى البساطة ، ولكن الشعب الكردي كان قد حقق أموراً كثيرة في تاريخه للبشرية ، فهو صاحب الثورة النيوليتية العظيمة ، وهو صاحب ثقافة عظيمة وشخصية عظيمة وحضارة كبيرة في التاريخ البشري ، ولكن تم استبعاده عن حقيقته هذه وأضاعها ، ولم يعد قادراً عن الدفاع عن نفسه ، بل بات ينكر وجوده واستسلم لسياسات إنكار الوجود والإبادة ، والوضع الذي آل إليه لم يكن جيداً ، وبات المستعمر مرتاحاً ويعتقد أنه قد وصل إلى النتائج التب يتوخاها في سياساته ، حيث لم تبق أية عوائق أمامه ، فقد بقي لهم كل ما فعلوه بالشعب الكردي ، ولم يبق لديهم أي خوف أو رادع ، لأن الشعب الكردي أضاع كل شيء ولم يعد قادراً على سؤال الحساب ، فإذا لم تتوفر آلية المحاسبة بفكرها وتنظيمها وممارستها في أي مكان فلن يكون هناك أي خوف ، فلو كان هناك خوف لدى المستعمر من المحاسبة لما استمر في ممارساته ، لأن الشعب الكردي لم يكن يملك فكراً ولا تنظيماً ولا ممارسة بهذا الصدد ، ولهذا لم يكن المستعمر يحسب أي حساب للشعب الكردي ويتصرف بدون خوف . لدرجة أنه لو ذهب جندي تركي إلى قرية كان القرويون يهربون ويتركون قريتهم خوفاً من ذلك الجندي الذي كان قادراً على فعل مايريد ، وليس هناك من يعترض عليه ، فليس هناك معرفة الرد ولا قوة الرد .

إن ظهور PKK كان تدخلاً في هذا الوضع لمحاسبة الذين أوصلوا الشعب الكردي إلى ماوصلوا إليه ، وهي محاسبة كبيرة ، والمحاسبة لن تتم مع المستعمر فقط ، فمهما كان هو المسؤول إلا أن النظام الرأسمالي كان مسؤولاً أيضاً ، والطبقة الحاكمة الكردية أيضاً كانت مسؤولة ، وPKK ظهر ليحاسب كل من له المسؤولية في هذا الوضع ، فعندما ظهرت هذه الحركة وكانت مجموعة صغيرة لم تتوسع بعد ، وتلقي أولى خطواتها في كردستان للتوجه نحو حزب ولم يتأسس الحزب بعد ، كانت أميريكا ترى خطراً في هذه الحركة ، فكما نعرف عند اندلاع الثورة الإسلامية الايرانية استولى الايرانيون على السفارة الأميريكية في طهران وحصلوا على وثائقها ثم ترجموها ووضعوها في كتاب ونشروها ، وكان الأميريكيون قد قطعوا تلك الوثائق كي لا تنكشف ، ولكن الإيرانين جمعوا قطعها وكشفوا ما فيها ، ولانعلم إن كانوا كشفوها بإمكانياتهم أو ساعدهم البعض في جمعها وكشفها ، ولكنهم جمعوها مثل الأصل وكشفوا عنها ، فقبل الثورة الإسلامية كانت السفارة الأميريكية في إيران مركزاً لـ CIA في الشرق الأوسط ، كل تقارير الاستخبارات الأميريكية تتجمع هناك لأنها المركز ، والقنصلية الأميريكية في أضنة مكلفة بالشأن الكردي في شمال كردستان ، كانت مكلفة بذلك في ذلك الوقت وحالياً ، ولو يلاحظ الرفاق أن القنصل الأميريكي في أضنة يتوجه دائماً إلى كردستان ويلتقي الرسميين وغير الرسميين ويتحدث إليهم ويجتمع مع الأسر والعائلات ، ويجمع المعلومات ، كان يفعل ذلك فيما مضى ولا زال ، لأن ذلك القنصل مكلف بتلك المهمة . وتقرير القنصلية تلك تذهب إلى السفارة الأميريكية في إيران لأنها المركز ، وبعد سقوط الشاه تم الاستيلاء على السفارة ووثائقها ، وعنما نشروها استطعنا قراءتها ، كانت الوثائق في مجلدين وكانت حريدة تنشرها بالتركية الأصل والترجمة .

تتضمن تلك التقارير المرئيات الأميريكية ، حيث يقولون أن التنظيمات اليسارية والكردية في تركيا لا تشكل خطراً على المصالح الأميريكية في تركيا ، ولكن هناك حركة باسم الآبوجيين وتأخذ اسمها من قائدها ، وهي حركة جديدة ولكنها تتقدم بسرعة ، وهي حركة خطيرة ، ويجب سد الطريق أمام هذه الحركة للحد من تأثيرها . وحتى يتم ذلك يجب تعتيم وتشويه قائد تلك الحركة ، واتهامه بما يكرهه الشعب للحط من قدره ،حتى يزول تأثيره . وثانياً : يجب خلق صراع بين هذه المجموعة والمجموعات الكردية الأخرى  لتحجيم هذه المجموعة وإزالة تأثيرها ، وعزلها عن المجموعات الكردية واليسارية . ويقول التقرير ثالثاً : يجب تسليح بعض العشائر الكردية لتخوض صراعاً ضد هذه الحركة ، حتى يمكن إزالة تأثيرها . ورابعاً : ممارسة دعاية وتحريض ضدها لدى الأكراد للحد من تأثيرها عليهم .

كما نرى الولايات المتحدة كانت تقف على هذه الحركة منذ ذلك التاريخ وليس الآن فقط ، ونظراً لأن كل هذه القوى وقفت في مواجهة حركتنا فإن حركتنا أيضاً تصدت لكل هذه القوى منذ البداية ، لأن قوى كثيرة من هذه القوى كان لها دور في إيصال الشعب الكردي إلى الوضع الذي هو فيه ، فإن أردت التقدم بحركة من أجل الحرية والديموقراطية باسم هذا الشعب يجب أن تتصدى لكل هؤلاء ، وإن لم تواجهها لن تستطيع التقدم بخطوة واحدة ، فإذا كان PKK قد تصدى لهؤلاء منذ البداية فلأن هذه القوى كانت تعادي الشعب الكردي ، استطاع PKK بمواقفه وفكره وممارسته المنظمة أن يكشف عن حقيقة هذه القوى جميعاً وأفهمها للشعب الكردي ، لم يكن قد ظهر من يكشف للشعب الكردي عن حقيقة هذه القوى حتى ذلك الوقت ، قام PKK بهذا العمل وكان إنجازاً أساسياً ، ولهذا السبب تحققت الانتصارات والتقدم في كردستان ، وهكذا بات PKK حركة المحاسبة وظهر وبرزعلى هذا الأساس ، وكان يجب مساءلة  كل من ارتكب الجرائم بحق الشعب الكردي ،ولهذا لم يترك PKK أحداً من هؤلاء الذين أوصلوا الشعب الكردي إلى هذا الوضع .
اعتمد PKK عند ظهوره أساساً تاريخياً لانطلاقته ، ماهي تلك الأسس ؟ . لقد اعتمد القيم الجماعية الديموقراطية أساساً له ، وعلى ذلك الأساس أقام صرحه ، كما اتخذ من القيم التي تولدت من النضالات التي خاضها المحاربون من أجل الديموقراطية والمساواة وحرية الإنسان والمجتمع الإنساني عبر التاريخ منذ العصر النيوليتي إلى يومنا الراهن وجعلها أساساً لانطلاقته . على هذه الأسس تأسس وبدأ خطواته الأولى وتقدم ، ولم يجد هناك أي اساس آخر أو أي ميراث آخر مناسباً للاعتماد عليه في نضاله .

PKK منذ انطلاقه كان حركة القيادة ، وهكذا سارت وتقدمت إلى يومنا هذا ، حقيقة PKK هي حقيقة القيادة بالكامل ، ولهذا فإن PKKهو حركة القيادة ، في كثير من الحركات يصبح قائدها قائداً لها فيما بعد ، بينما في هذه الحركة كان القائد هو من أسسها ، ولأن القائد هو الذي وفر لها الإمكانيات الفكرية والتنظيمية والتطبيقية وكل الجوانب الأخرى وهو صاحب الجهد الأكبر في كل ما تحقق ، وليس على الصعيد الفكري والفلسفي والايديولوجي فقط ، بل على صعيد التطبيق والممارسة يوماً بيوم وخطوة بخطوة تابعها وتشاور مع من معه ووضع برامجها وقام بتطبيقها ، ولهذا تم قبوله بالإجماع ودون نقاش قائداً ورئيساً لهذه الحركة منذ البداية ، هكذا تأسس PKK وتقدم . 

منذ انطلاقته أصبح PKK حركة الشعوب التي تناضل من أجل الحرية والديموقراطية والمساواة والعدالة وتجعلها أساساً لها ، وليس من أجل الشعب الكردي فقط ، وإنما من أجل جميع الشعوب . فمهما كان يشكل أملاً للشعب الكردي كان أملاً للشعوب الأخرى أيضاً ، فإذا كان كلاً من الرفيق كمال بير والرفيق حقي قارار قد اتخذا مكانهما إلى جانب القائد في مسيرته وصولاً إلى الشهادة فعلينا فهم هذه الحقيقة أيضاً . لم يكن الرفيق حقي والرفيق كمال كرديان ولا كردستانيان ، عنما انضما إلى القائد آبو لم يكن هناك تنطيم ولا حركة ، كما لم يكن هناك احتمال لتأسيسها ، وكان هناك القائد آبو فقط أي شخص واحد  ولا شيء آخر ، في هذه الأجواء انضما إلى القائد وعقدوا الرفاقية ، هناك ثوريون أمميون في كثير من الأماكن ، وهناك منظمات ومؤسسات ينضم إليها هؤلاء الأمميون ويناضلون ، ولكن حقي وكمال لم يكونا كذلك ، فليس هناك حركة كما لايوجد احتمال لتأسيسها ، وهؤلاء ينضمان إلى القائد آبو ويقبلان برفاقيته بدون تردد ، ويتحدث القائد آبو في تحليلاته عنهما فيقول أنه اجتمع بهما لنصف ساعة لشرب القهوة فقبلا الانضمام إليه والسير معه وبقيا معه صادقين حتى الشهادة . بالطبع هذا جانب مهم على صعيد فهم هذين الشخصين ومكانتهما التاريخية ، وعلى صعيد فهم شخصية القائد آبو . 
 
لو كانت هناك حركة قائمة وانضم إليها هؤلاء الرفاق لكان أمراً طبيعياً ، ولكن ليس هناك شبئاً من هذا القبيل ، فقد التقيا بالقائد واستمعا إليه ثم انضما إليه بإيمان لا يتزعزع ، ووجدا في شخصه نصراً ، رغم عدم وجود شيء ملموس ولكنهما وجدا النصر ، لم يترددا في الانضمام ، وعاهدا ثم التزما بعهدهما حتى الاستشهاد . فلو لم يجدا في القائد آبو قيادة للاشتراكية والنصر لما انضما في تلك الأجواء ، هذا الأمر يدل على عظمتهما الشخصية وعظمة انضمامهما ، هذا الانضمام وهذه الرفاقية وهذه المسيرة تعبر عن وحدة الشعوب على أرقى المستويات ، وتعبر عن الوحدة بين الشعوب على أسس الحرية والديموقراطية ، وهكذا اتخذ القائد آبو من وحدة الشعوب على أسس الحرية والديموقراطية أساساً له في كل الأوقات والظروف ، ولهذا كانت وحدة الشعوب على أسس الحرية والديموقراطية أساساً من أسس إنطلاقة PKK وتقدمه ، وتشكيل هذه الحركة سيتم على ذلك الأساس ولن يكون هناك عداء للشعب التركي في الحركة التي يؤسسها ويقودها القائد آبو في كردستان ، لن يكون هناك عداء الشعوب ، ولن يكون هناك عداء الشعب التركي ، ففي كثير من الحركات ترسخ عداء الشعوب ، وهذا لم يحدث ولن يحدث ، لأن PKK منذ تأسيسه جعل هذا التوجه من أساسياته . ليس هذا فقط بل إن القائد آبو يرى نفسه مسؤولاً عن حرية ودمقرطة الشعوب والشعب التركي بنفس المستوى الذي يرى نفسه مسؤولاً عن حرية ودمقرطة الشعب الكردي . ولهذا سيقوم القائد آبو بمسؤولياته نحو الشعب التركي مثلما يقوم بمسؤولياته نحو الشعب الكردي . لأن انضمام الرفيقين كمال بير وحقي قارار انضمام عظيم ، ورفاقيتهم عظيمة جداً ، سيكون الارتباط بهما ارتباطاً عظيماً أيضاً ، وتجد الحركة نفسها مدينة للشعب التركي من خلال شخص الرفيق حقي والرفيق كمال ، وستحاول سداد هذا الدين في كل مرحلة ، وعندما قامت القيادة بخدمة الشعب التركي في كل مرحلة من النضال فذلك مرتبط أيضاً بالوفاء للرفيقين حقي وكمال . نظراً لأن نصف ساعة من الحديث بين القائد وكل من حقي وكمال كانت كافية لتحقيق هذه العلاقة الرفاقية المقدسة إلى هذه الدرجة والانضمام العظيم ، جاء مكملاً لتقديس القيادة لمفهوم العلاقة الرفاقية منذ أن كان في القرية وجاء انضمام كليهما إلى القائد عندما كان بمفرده ، فإن الحركة أيضاً تقدس العلاقة الرفاقية وتضعها فوق كل شيء . وستحيا من أجل الرفاقية ، فالقيادة تتخذ حق الرفاقية أساساً لعلاقاتها ، ولهذا يجب فهم مدى أهمية العلاقة الرفاقية لدى القيادة و PKK . فالعلاقة الرفاقية التي تأسست بين القيادة وحقي وكمال في تلك المرحلة لم تكن بسيطة ، فهذه العلاقة أصبحت أساساً راسخاً لدى القائد للعلاقات الرفاقية ، ليحيا من أجلها وليجعل من ذلك مبدأً عظيماً في مقاييس وثقافة وأخلاقيات PKK عند تأسيسه . ليتعلم أعضاء وكوادر هذه الحركة على هذا المبدأ وهذه الأخلاق . ولن تكون هناك خيانة للشعب مطلقاً سواء لدى القيادة أولدى الحزب . فمثلما لايمكن خيانة الحياة كمبدأ ، لايمكن أن تحدث خيانة الشعوب مطلقاً . فهذا مبدأ لدى الحزب .
 
 في كردستان لا نرى ثقافة الدولة والسلطة كثيراً ، لماذا ؟ . لأن كردستان في أغلب تاريخها عاشت ثقافة الإحتلال والعبودية ، ربما تأسست دول لفترة قصيرة لتوفر الإمكانيات ، ولكن هذا لايعبر عن الكثير في تاريخ الشعب الكردي ، فلايكننا عن كثير من الدولة والسلطة في التاريخ الكردي ، ولهذا لم تترسخ ولم تتقدم هذه الثقافة كثيراً ، فربما كانت هناك خيالات لتأسيس دولة وسلطة خاصة به ، ولكنه لم يحياها كثيراً ولم يتقدم هذا الجانب لديه . ونحن ربما كنا نجد في هذه الحقيقة نقصاً كبيراً ، بينما اليوم نقول أنه من الإيجابي أن هذه الثقافة لم تتطور لدينا ، فنظراً لأن تلك الثقافة لم تتطور لدينا نجد أن ثقافة وذهنية المجتمع الطبيعي مترسخة أكثر لدينا أكثر من ثقافة الدولتية ، لأن الشعب الكردي عاش وقاد ثورة كبيرة وعظيمة في التاريخ البشري وهي الثورة النيوليتية ، حيث لازالت تأثير تلك الثورة باقية ومترسخة لدى الشعب الكردي ، وعندما بدأ PKK بنضاله ربما كانت تلك الخصوصيات تعاش أكثر ، ففي الثقافة النيوليتية لا يوجد القمع والظلم والنهب والتعذيب والمجازر ونفي الآخر والكذب والخداع ، وعندما لاتتوفر هذه الأمور في ثقافة ما فذلك يعني أن تلك الثقافة قريبة من الاشتراكية ، ولهذا فإن هذا وضع ايجابي ، ولهذا كان PKK قد جعل هذا الجانب أساساً من أجله عند الظهور ، فإذا استطعت ترسيخ تأسيس الثورة الكردستانية  على هذه الأسس والتقدم بها في كردستان ، واستطعت تطوير الكادرية على هذه الأسس ، واستطعت تحقيق بعض المكاسب عليها وجعلتها حقيقة ملموسة ، واستطعت إقامة التنظيم اللازم وخوض النضال من أجلها ، فلا بد أن تحصل على النتائج ، وهذا ما تحقق في PKK ، ولهذا هناك ثقة كبيرة بالنجاح في حربه من أجل الحرية منذ البداية ، لأن القيم التي اعتمد عليها تخلق هذه الثقة ، فأنت إن استطعت العمل وخوض النضال في كردستان على هذه القيم ورغم النقص في بعض الجوانب ، فإنك ستتمكن من تطوير وتصعيد الحرب والنضال من أجل الحرية إلى مستويات متقدمة جداً ، لأن إمكانيات ذلك متوفرة في كردستان أكثر من أي مكان آخر ، لأن الظلم والنهب والخداع والتحقير والقتل والسقوط القائم في كردستان لاتوجد في أي مكان آخر ، فإذا كان في وطن أو مجتمع يسود الظلم والتحقير والسقوط بدون حدود ، وبالمقابل تتوفر لديه قيم تاريخية عظيمة جداً ، فإذا استطعت توحيد هذه القيم المتوفرة مع القيم الإنسانية لتناهض ذلك الظلم والسقوط ، وقد يكون ذلك صعباً ولكن إذا بقيت مصمماً فإن الظهور والنصر سيكون قوياً وعظيماً ، وهذا الذي تحقق لدى PKK وعلى ذلك الأساس . 

لتلك الأسباب وفي بداية هذه الحركة ، كان الجميع يقولون لا يمكن تحقيق شيء في كردستان ، ولم يؤمنوا بما يطرح ، لا المحتل ولا الامبرياليون ولا الاشتراكيون ولا اليمين ولا اليسار ولاحتى الأكراد أنفسهم ، لأن كل شيء قد مات هنا . ولكن الحركة الآبوجية والقائد آبو قال : كلا لم يمت كل شيء ، بل على العكس يمكن السير بكل شيء إلى الأمام من هنا ، وهكذا كان حساب القائد آبو : ذهنية كأساس وبناء عليها طراز نضال مناسب ، وعليها ترسيخ نظام ، وبنتيجته تأسس PKK وسار قدماً إلى الأمام . وتحرك بهذه المفاهيم ، والجميع يقول لايمكن بينما PKK صمم على العمل ، وها قد أثبت بأنه ممكن . ولهذا فإن حقيقة هذه الحركة هي : عندما يقول الجميع بأنه مستحيل ، تقول هذه الحركة بأنه ممكن ، كأن يقول الجميع بأن الحصول على الحليب ممكن من العنزة فقط ولا حليب بدونها ، بينما تقول الحركة بأنه يمكن الحصول على الحليب من التيس أيضاً وتحصل عليه . وبعض الذين كانوا يقولون مستحيل عندما وجدوا أن الأمر بات ممكناً صاروا يقولون : إن القائد آبو يحول المستحيل إلى واقع . ومنذ البداية كانوا كانوا يدعون بأن القائد آبو يقول ممكن للمستحيل  ويحاول تحقيقه . وأخيراً وجدوا أنه ممكن ، هذه هي حقيقة هذه الحركة ، وكادرية هذه الحركة تتقدم على هذه الحقيقة . وهذا أيضاً جانب مهم .

عندما ظهرت هذه الحركة لم تكن تشبه ظهور الحركات الأخرى ، فلو نظرنا إلى تاريخ جميع الحركات ، نرى أنها جميعاً تصرفت حسب نظام داخلي ، أي وضعت لها نظاماً داخلياً قبل أو عند التأسيس ، ولكن هذه الحركة لم تر نظامها الداخلي قبل ولا حتى في مؤتمرها التأسيسي ، أي أسست نفسها وسارت وتقدمت من دون نظام داخلي ، بينما الذين وضعوا نظامهم الداخلي لم يكونوا منضبطين مثل هذه الحركة ، وهذه أيضاً إحرى خقائق هذه الحركة ، فهي كانت قد وضعت لنفسها مقاييساً أقوى من كل الأنظمة الداخلية ، والكل يعتقد بوجود نظام داخلي تعمل الحركة بموجبه ، فحتى انعقد المؤتمر التأسيسي لـ PKK لو يكن للحركة نظاماً داخلياً ، ولكن كانت لدى الحركة ثقافة وتقليداً وأخلاقاً وروحاً رفاقية قوية جداً وثقة لامتناهية بتلك الرفاقية ، ولذلك لم تكن بحاجة ماسة للنظام الداخلي ، فمثلما لدى الشعوب كثير من العادات والتقاليد غير المكتوبة وغير الواردة في القوانين ومن يخرقها يجد نفسه خارجاً على المجتمع ، ولن يستطيع الحياة ، فإما أن ينبذه المجتمع أو يقوم بتصفيته ، وهذا ما كان قائماً في PKK . 

بالطبع هذه الثقافة وهذه الأخلاق والرفاقية التي تطورت على هذا الأساس ضمن هذه الحركة كانت متواكبة مع ايديولوجية هذه الحركة ، فالقيادة استطاعت ترسيخ ثقافة وأخلاق وشخصية وحياة حسب هذه الآيديولوجية ، وقامت بتربية كوادر الحركة على ذلك الأساس ، والجميع ارتضى طوعاً بتلك الثقافة والأخلاق والحياة والرفاقية والمواقف ، فلم يكن هناك نظام داخلي ليلتزموا به ، كما لم تكن هناك وسائل الضغط لفرضها . أي السائد كان ثوروية طوعية تماماً من القلوب ، يحيا الكل تلك الثقافة والأخلاق والحياة طوعاً من الأعماق ، وبكل عظمة ولهذا لم تكن هناك حاجة للنظام الداخلي ، فلو لم يقبل أحدهم أمراً ما طوعاً وقناعة ، لو أتيت بكل أنظمة وقوانين العالم لن تستطيع إخضاعه لها ، ولهذا فإن كادرية هذه الحركة وتطبيقها أمر طوعي ، والذين يقبلون كادرية هذه الحركة طوعاً هم القادرون على تمثيلها ، وبدون ذلك صعب جداً ، فمنذ البداية هناك انضمام طوعي لهذه الحركة وعظمة ذلك تأتي من الرفيقين حقي وكمال بالطبع . فهما انضما بعد حديث دام نصف ساعة دون أن يكون في الميدان تنظيم أو حركة ، والقائد وحده هو الموجود ، ولهذا انضمام هذين الرفيقين يشكل أساساً وثقافة وأخلاقاً وشخصية ومقياساً ، وبسببها تقدمت الكادرية في هذه الحركة بشكل عظيم جداً .

ربما يلاحظ الرفاق بأن الانضمام إلى هذه الحركة منذ البداية قريبة من تقاليد المجتمع الطبيعي ، بل قريبة منها جداً ، أي جعل الحياة الكومونية الديموقراطية أساساً لها . فليست هناك حياة فردية ، والآن يقول القائد بأنه يجب تأسيس نظامي على أساس الكومونية ، ويدعي البعض أنهم رفاق للقائد ويتخذون من شخصه أساساً ولكنهم يعيشون الفردية حتى النخاع ، بل يعيشون فردية قبيحة جداً ، ويدعون التزامهم برفاقية ونهج القائد ، بينما الذين يتخذون من القائد أساساً لهم بصدق ، عليهم الالتزام بالكومونية وحياتها وأخلاقها وثقافتها وشخصيتها ، وفيما عدا ذلك كلام مجرد . والذين يعيشون الفردية إلى هذه الدرجة ربما يستطيعون خداع طفل ، ولكن يستحيل عليهم خداع من تلقى بعض الشيء من تربية هذه الحركة من الكوادر . بعض الرفاق يظنون بأن مسألة الكومونية هذه قد ظهرت حديثاً ، بينما الحقيقة هي أن الكومونية أساسا لهذه الحركة منذ البداية بحياتها ، وثقافتها وأخلاقها ومقاييسها وشخصيتها ، وهي قد وصلت إلى يومنا ‘لى هذا الأساس ، فإذا اتخذت أية حركة الكومونية طرازاً لحياتها لن تبقى هناك حاجة للنظام الداخلي . وإذا لم تجد الحركة حاجتها للنظام الداخلي فهو لهذا السبب ، وهي التي تبنت الحياة والثقافة والأخلاق والشخصية والمقاييس الكومونية أساساً لها لن تكون بحاجة للنظام الداخلي .  بل لوتبنت هذه الحركة نظاماً داخلياً تقليدياً لما استطاعت تحقيق هذا التقدم والترسخ في كردستان . لم يكن أحد يملك شيئاً وكل المنضمين كانوا من أبناء الفقراء ، فالمجتمع الكردستاني بطبيعته يعاني من الاحتلال والحياة في القاع ، وهو معدوم والشريحة الأكثر معاناة هي المرأة وبعدها الشريحة الفقيرة ، وأبناء هذه الشريحة هم الذين اتخذوا مكانهم ضمن الحركة ، ولهذا كانوا يسمونهم " بعراة الأفخاذ " ، ويتساءلون : هل هؤلاء سيقومون بالثورة ؟ وهل هؤلاء الذين تفوح من أفواههم رائحة الجوع سيقومون بالثورة ؟ . لم يكن لأحد ممتلكاته الشخصية فالكل فقير . ولهذا كانت حياتهم جماعية ويحيون الحياة الكومونية ، وقد كانت حياة نظيفة ليس فيها خداع ولا كذب ولا دجل ، ولا خيانة ، وتسودها روح رفاقية قوية . بينما إذا تمسك أحدهم بالحياة الفردية عندها سيحتاج إلى الكذب والخداع والخيانة ، لأنه يريد أن يفعل شيئاً من أجل شخصه ، ويريد تحقيق المزيد على ما عنده ، ولذلك يحتاج إلى الوسائل القذرة ، فالفردية تشجع على ذلك ، والفردية تشجع على التسلط ، بينما لايتقدم التسلط ولا العبودية في الكومونية ، ففي المكان الذي يوجد فيه التسلط تتواجد العبودية أيضاً ، والفردية تكمن في أساس ذلك ، فالفردية هي سبب كل القذارة والرذيلة ، فانظروا وسترون من يعمل بالفردية لدينا ، وسترون ما يعيش في شخصيته من كذب وخداع ونصب واحتيال وخيانة ، يمكنكم رؤية ذلك كله بسهولة ، ولا توجد هذه الأمور لدى من لايعيش الفردية ، وبعضهم يتمسكون بالفردية حتى النهاية ويدعون تمسكهم بنهج القيادة ، ويظنون أنهم أمام أطفال يستطيعون خداعهم . 

PKK حركة ظهرت في مرحلة الحرب الباردة ، وكانت مرحلة بينية ، ولهذا جاء تأسيس الحركة وتنظيمها ومسيرتها وتقدمها في مرحلة بينية ، ولهذا كان لها تأثيرها على PKK من جانب ، وبعض الجوانب السلبية لتلك المرحلة والتي استطاعت الحركة التخلص منها . ولهذا يمكن رؤية تأثير المرحلة البينية مثلما يمكن رؤية تأثير خارج تلك المرحلة ، وهذا يشكل سوء طالع PKK من جانب ، وحسن طالع له من الجانب الآخر ، سوء طالع الحزب يكمن في تأسسه في تلك المرحلة تماماً مما أدى إلى تأثره بخصوصيات تلك المرحلة ، فقد جاء ظهور الحركة في مرحلة توجه معسكر الاشتراكية المشيدة نحو الانهيار ، وانتهاء مرحلة حركات تحرر الشعوب بعد وصولها إلى الذروة ، مما كان له تأثير سلبي على الحركة التي ظهرت كحركة اشتراكية وتحررية في ذلك الوقت تماماً ، أما الجانب الايجابي فهو أن المرحلة كانت بينية وعابرة حيث استطاعت الحركة أن تقف على رجليها وتتخلص من تأثيرات الاشتراكية المشيدة ، وهذا أمر ايجابي وهو مافعله القائد آبو . وحاولت القيادة التخلص من التأثير السلبي لتلك المرحلة البينية خطوة بخطوة فيما بعد ، واستطاع إلقاء خطوات بعد ذلك ، ولهذا لم يحصل تقدم PKK  مثل الحركات الأخرى ، فمن جانب كان يتميز بخصوصياته ، ومن جانب آخر كان يماثل الحركات الأخرى ، هذه الخصوصية كانت السبب في بقاء وتقدم PKK ، ولولا ذلك لأصبح كالحركات الأخرى ، وأندثر مثل الحركات التي اندثرت مع انهيار معسكر الاشتراكية المشيدة ، ولتمت تصفيته أيضاً ، وعلينا أن نلاحظ أن التقدم الكبير لدى PKK كان في الأعوام التي تمت فيها تصفية الاشتراكية المشيدة والحركات الأخرى ، فتحوله إلى حزب جماهيري واسع متجذر تم في عامي 89- 90 -91-92 وهكذا حقق تقدماً كبيراً . وكان ذلك وضعاً مناقضاً للواقع القائم ، فكل الحركات الاشتراكية والشيوعية كانت تتهرب من الاشتراكية وترتمي في أحضان الرأسمالية ، في هذه المرحلة تماماً كان يقول PKK : إنني حركة اشتراكية وأناضل من أجل التحرر الوطني . واستطاع إلقاء خطوات كبيرة في هذا المجال ، ويتحول إلى أمل ، وهذا التطور متعلق بالنقطة التي ذكرتها .

مثلما كان للاشتراكية المشيدة تأثيرها على PKK في مرحلة التأسيس ، كانت لثقافة الشرق الأوسط أيضاً تأثيرها عليه ، ولهذا لم تكن حركة شرقية تماماً ، ولا حركة غربية للاشتراكية المشيدة تماماً ، فهي أخذت بعض الخصوصية من هذا الجانب مثلما اكتسبت بعض جوانبها من الطرف الآخر ، ولهذا بات لدى PKK خصوصيته المميزة ، فلا تستطيع القول أنه حركة شرقية تماماً ، كما لاتستطيع القول أنها حركة غربية للاشتراكية المشيدة تماماً .  ولهذا لم يستطع تحقيق تقدم يتناسب مع جهوده ، وهذا أمر مرتبط بهذا الواقع ، فعندما تأسس انتهج خطاً بين الاشتراكية المشيدة وحركات التحرر الوطنية ، كما ظهرت على شكل حركة نصف كريلا ، ونصف تمرد ، وهذا أيضاً جانب مختلف عن الحركات الأخرى ، فلا هي حركة كريلا تماماً ولا هي حركة تمرد تماماً ، ولا هي حركة تحرر وطنية تماماً كالحركات الأخرى ، ولا هي حركة اشتراكية مشيدة تماماً . بل تتضمن شيئاً من هذا كله ، ولاتتضمن كل جوانبها ، ولا يمكن وصفها بحركة كريلا تماماً ، ولا بحركة تمرد تماماً لتصل إلى أهدافها بالتمرد ، فيها من الكريلا ومن التمرد أيضاً ، وهذا الوضع يتضمن خصوصية وتناقضاً مع القائم المعمول به مرة أخرى .

عندما تأسس PKK أتخذ من مصلحة وأهداف الشعب الكردي أساساً له ، وقام بتحديد مقاييسه وعلاقاته وحياته من جديد مع العالم ومع الشرق الأوسط ومع الترك والفرس والعرب على أساس تلك المصلحة والأهداف ، وكرس فكره وعاطفته وتنظيمه وممارسته على هذا الأساس ، فقام بتعريف نفسه أولاً على أساس النقاط التي يختلف فيها عن الآخرين والنقاط التي يتوحد فيها مع الآخرين ، فتلك هي هويته وتعريفه ، فإذا لم تقم بالتعريف بهويتك وإثباتها لن تستطيع التحرك ، فعليك أن تصنع هويتك أولاً ، وما هي ؟ . إنها طراز النضال الذي هو الهوية ، فإن لم تقم بإثبات طرازك للنضال بشكل جيد ، فلن تتمكن من خلق هويتك ، وستحيا بدون هوية ، والذي لايستطيع خلق هويته لن يكون قادراً على التغيير ولا على أي إنجاز آخر ، ولهذا قام PKK بالتعريف بهويته منذ البداية وكشف عن نقاط اختلافه عن الآخرين بشكل واضح جداً ، وأصر عليها ، حتى حقق ظهوره وتقدمه . ولهذا وجد الجميع أن هذه الحركة تختلف عن الأخريات ، ووجدوا الإختلاف في حياتها وأخلاقها ، وثقافتها ، وتطبيقها وممارستها ، وتنظيمها ووجدوا أنها حركة فاعلة ، وكان لذلك تأثيره .


  يتبع